لماذا يعتبر المُجتمع المغربي البكارة رمزًا للعفّة والشرف؟
لمْ يَدُرْ بخُلد الشابة محجوبة، ذاتِ الثمانيةَ عشر ربيعا، أنْ تنتهي “ليلة دخلتها” حينَ زفّتْ إلى عريسها بإحدى قرى وادي زم، نهايةً تراجيدية بعدما لم يُسفر اللقاء الأوّل عنْ ظهور “علامة الشرف”، فراودتِ العريسُ الشكوكَ حوْل عذرية عروسه، فما كانَ منه إلّا أنْ لجأ إلى تعنيفها بلكمات على عيْنيها، دون أن يتدخّل أحد من عائلة البعل المُعتدي لإنقاذ العروس، حسب روايةٍ سابقةٍ لوالدها حين حديثه لهسبريس.
ردّ الفعل هذا، الذي أعقبَ شكّ العريس في عذرية عروسه ليس الأوّلَ من نوعه، وقد لا يكون الأخير رغم مظاهر الحداثة والانفتاح التي يشهدها المجتمع المغربي ظاهريا، في ظلّ سيَادةِ عقليّة ذكوريّة تلخّص عفّة الفتاة، في عذريتها.. فلماذا ما يزال كثير من المغاربة يربطون عفّة الفتاة بغشاء البكارة؟ ولماذا تصدر ردود فعل عنيفةٌ من قِبَل الرجل المغربي عندما يكتشف أنّ عروسه ليست عذراء؟
الجهْل وغيابُ الوعي
الدكتورة أمال شباش، الاختصاصية في العلاج النفسي والجنسي، تعزو ما قام به عريس “وادي زم”، والذي وصفتْ سلُوكه إزاءَ عروسه بـ”الفظيع جدّا”، إلى ثلاثة مستويات من الجهل، يتمثّل المستوى الأوّل في الجْهل بالأسلوب الأمثل الذي يجبُ التعاملُ به من طرف الزْوج (العريس) مع عروسه، حتى لو تأكّد، فعلا، أنَّها ليست عذراء، قائلة “على المستوى الإنساني، لا يجب أن تُعاملَ الفتاة على هذا النحو، حتى ولو كان هناك خطأ”.
أمّا المستوى الثاني من الجهل، الذي يُفضي إلى مثل هذه الحوادث -حسب الدكتورة شباش- فمَرَدُّه إلى أنّ كثيرا من الرجال ليسوا واعين بأنّ 20 في المائة من الفتيات العذراوات لا تسقط منهنّ أيّ قطرة دم، بعض افتضاض البكارة، وكثير من البنات يولدن، أصلا، بدون غشاء البكارة، وتضيف الدكتورة شباش أنّ العلاقة الزوجية “لا يجب أن تُبنى على ما ستسفر عنه ليلة الدخلة، ولا على نقطة الدم الحمراء، بل على الاحترام والتواصل”.
سيكيزوفرينا المجتمع
إذا كان ما يزالُ في المجتمع المغربي من يربط عُذرية الفتاة بقطرة -أو قطرات الدم- التي تنزل عندما يدخل العريس على عروسه، والتي ما زالت مناطقُ في المغرب تعتبرها “طقْسا مقدّسا”، فإنّ مفهوم العذرية، -حسب الدكتورة أمال شباش- ليس مرتبطا بمدَى احتفاظ الفتاة بغشاء بكارتها من عدمه، بلْ عندما لم يسبق للفتاة أنْ ربطتْ أيّ علاقة جنسية، ولم يمْسسها رجل، وتضيف الدكتورة شباش “لا يجب أن نحكم على عفّة الفتاة من منطلق قطرة الدم، هذا غير معقول”.
وتؤكّد الاختصاصية في العلاج النفسي والجنسي على أنّ كلّ شخصٍ حُرّ في اختياراته، وعليْه أن يتحمّل مسؤوليته، وتشرح قائلة “هناك بنات كثيرات ربطن علاقاتٍ جنسية كثيرةً، لكنّ السؤال الذي يجبُ طرْحه هو: من يدفع هؤلاء البنات لربط علاقات جنسية، إنّهمُ الرجال طبعا، الذين يشجعون البنات على الممارسة، باسم الحبّ، وعندما يريد الرجل الزواج، يتخلّى عن الفتاة التي جمعتْه بها علاقة، “حيتْ هاديك ما مْديوراش للزواج”.
عقليّة الرجل المغربي تتغيّر
الدكتورة شباش تشرح سببَ تخلّي الرجل المغربي عن الفتاة التي سبق له أن ربطته بها علاقة جنسية، حينَ يهمّ بالزواج، وبحثه عن فتاة أخرى، “لمْ يمّسسها رجل من قبل”، بـ”وجود سيكيزوفرينيا في المجتمع”، وتُضيفُ أنّ اهتمام فئات من الرجال بالعذرية، مردّه إلى اعتبارهم الفتاةَ التي سيتزوّجون بها “مِلْكاً خاصّا بهم”، ولا يجب أنْ يمسّه أيّ إنسان آخر، ويعتبرونها “شيئا”، وليسَ إنسانةً لها أحاسيس واختيارات.
ولئن كانت فئات من الرجال المغاربة يعاملون المرأة على هذا النّحو، فإنّ ثمّة تغييرا وتطوّرا كبيرا، حصَل، خلال السنوات الأخيرة، في طريقة مُعاملة الرجل المغربي للمرأة، بصفة عامّة، وخاصّة في الجانب المتعلّق بالحياة الحميمية؛ وتوضّح الدكتورة شباش في هذا الصدد أنّ كثيرا من الرجال، حسب الحالات التي تفد على عيادتها، يؤسّسون لعلاقات مبنية على الاحترام والثقة المتبادلة، وعلى التواصل.
الدّين أمرَ بالسِّتر
وعن الأسلوب الذي يجب أنْ يتعامل به الرجل مع الفتاة التي اقترن بها، إذا تأكّدَ أنّها ليستْ عذراء، ولمْ يتقبّل ذلك، قالت الدكتورة شباش إنّ الأمر لا يجب أن يتطوّر إلى اللجوء إلى العنف، كما فعل “عريس وادي زم”، ولا إلى فضْح الفتاة أمام الملأ، بل أنْ يُعالج الأمرُ برويّة، “لأنّ الدين الإسلامي أمرنا بستْر الآخر، وإذا لمْ يتّفق طرفا العلاقة الزوجية، فيمكنهما اللجوء إلى الانفصال بالتراضي”، تقول الدكتورة شباش.
وتضيف المتحدّثة أنّ المسؤولية تقع أيضا على عاتق الفتاة، التي قدْ لا تكون أقامتْ أيّ علاقة في حياتها، ومع ذلك لا تنزل منها أيّ قطرة دم عندما يدخل بها زوجها “ليلة الدخلة”، وتروي في هذا الصدد قصّة عروس أتى بها أهْلها إلى عيادتها إثر شكّ عريسها في عُذريتها، قائلة “عندما دخلت الفتاة إلى العيادة كانت تمشي مطأطأة الرأس، وكأنها ضحيّة، وعندما سألتها هل سبق لك أن أقَمْتِ علاقة أجابتْ بالنفي”، وتضيف الاختصاصية في العلاج النفسي والجنسي أنّ الفتاة التي تريد أن تكذب على زوجها، تستطيع أن تفعل ذلك، بعمليّة بسيطة، لرتْق غشاء البكارة.