انتهاك الساعة البيولوجية.. كيف يمكن لقلة النوم أن تقتلك؟
تؤجل العمل أو الدراسة لساعات الليل المتأخرة الخالية من الجداول والالتزامات. تشعر بالنعاس قليلا وتفكر: "هل أستمر في الدراسة -أو العمل- أم أنه يجب عليّ أن أخلد إلى النوم، ولكن يبدو أن الاستمرار في العمل فكرة مغرية، سيمنحني هذا وقتا حُرا دون التزامات في الغد". معضلة ابتكار سيناريوهات مُشابهة قد تمر بأغلبنا، نشعر أن كل هذه الدقائق والساعات لا تكفي لإنهاء ما يجب علينا إنهاؤه، فما المانع من المقايضة ومن اقتصاص هذه الساعات من وقت النوم؟
عقارب الساعة التي تلتف حول 1440 دقيقة تصطف في 24 ساعة لتبدأ وتُنهي اليوم، لا تختلف كثيرا عن إيقاع الساعة البيولوجية -الساعة الحيوية- التي بداخلك، والتي تُنظم نومك واستيقاظك، وتنظم وظائفك الحيوية الأخرى. هل لإهمال ساعتك البيولوجية وما تخبرك به بما يخص نومك عواقب تنعكس عليك؟ هذا ما أثبتته دراسة حديثة في مجلة "Scientific Advances" العلمية، تُبيّن الدراسة أن العوامل الاجتماعية تمنعنا من احترام إيقاعاتنا البيولوجية، مما يجعلنا نذهب إلى الفراش في وقت متأخر عما ترغب به ساعاتنا البيولوجية الداخلية مما يُقلل وقت النوم، فكيف يحدث ذلك؟ [1]
في دراسة نُشرت في مجلة "Sleep" والتي أُجريت على أكثر من 9 ملايين أميركي -أي ما يُعادل سكان نيويورك كاملة- أفادت أن الناس في الولايات المتحدة الأميركية ينامون بدرجة أقل بكثير من عام 2013. يقول الباحثون إن الحالة الاجتماعية، الدخل، العمالة، نمط الحياة، استخدام الوسائط الإلكترونية، تؤثر بشكل مباشر على هذه النتائج. ويرى الباحثون -أيضا- بأن معدل النوم الذي يحظى به الذين شاركوا في هذه الدراسة من الممكن أن يكون أقل مما صرحوا به، فالناس يميلون للمبالغة قليلا. ووفقا للجمعية الأميركية لطب النوم وجمعية أبحاث النوم فإن الوقت الموصى به للنوم في الليلة الواحدة هو سبع ساعات أو أكثر، قد يكون الإجهاد هو السبب وراء تقلص مساحة النوم في حياة الكثيرين. [2]
كما تُشير إحصاءات اليوم العالمي للنوم إلى أن 45% يعانون من نقص النوم حول العالم. ويصف القائمون على هذه الدراسة بأن هذه النسبة تجعل من مشاكل النوم وباء عالميا يُهدد الصحة العقلية والبدنية. وتؤكد الدراسة بأننا نقضي ما يقارب ثلث حياتنا في النوم، فهو حاجة أساسية كالأكل والشرب مما يجعل النوم الجيد والكافي أمرا حاسما لضمان الصحة الجيدة وجودة الحياة. [3] [4] [5]
في عام 1945 قام العالم الروسي غاري برونر (Gary Brunner) بإجراء تجربة تفيد البحث عن أضرار الحرمان من النوم، شملت ثلاثة من مُجرمي الحرب النازيين. تقتضي التجربة احتجازهم في غرفة مغلقة لمدة 30 يوما، مع تعريضهم بشكل مستمر ومباشر لغاز يحرمهم من النوم. كانت التجربة من المخطط لها أن تستمر لمدة شهر، ليُترك هؤلاء الرجال دون نوم ومراقبة كل المستجدات العضوية والنفسية التي تطرأ عليهم، وتحليلها بطريقة منهجية لاتباع أثر قلة النوم على الإنسان. في بداية اليوم الرابع بدأت الهلاوس تُلاحق جميعهم، ووصولا لليوم الثاني عشر قام أحدهم بالصراخ المستمر لمدة 12 ساعة دون توقف، أما في اليوم الخامس عشر قام أحدهم بتغطية النافذة الزجاجية التي يراقبهم العالم من خلالها بأوراق الصحف. قام العالم حينها بإبلاغهم أنه مضطر لفتح الغرفة وإنهاء التجربة لانقطاع مستجداتهم عنه. فما كان منهم إلا أن فقدوا الإدراك تماما وقام أحدهم باقتلاع أحشائه وأكلها حتى الموت، والآخر رفض العلاج ومات أيضا. والأخير بقي يُعاني من الهلاوس واقتلع عينيه وأذى نفسه حتى الموت! [6] [7]
ربط العلماء قلة النوم بالكثير من التغيرات التي تطرأ على الجسم ووظائفه وحتى بتغيرات اجتماعية سلبية، وحتى على اقتصاد الدول ونسبة الحوادث؛ يُذكر منها:
ساعتنا البيولوجية تُخبرنا بأننا متعبون، والطبيعة من حولنا تبعث لنا إشارات بأن الظلام خيّم على المدينة وحان وقت النوم. كل هذه الإشارات يجب أخذها بكامل الجدية ومنح الجسم ما يحتاج إليه من وقت للراحة والاسترخاء حتى يكون قادرا على إكمال المهام اليومية وفي الوقت نفسه الابتعاد عن المخاطر الجسيمة التي يُمكن أن تسببها قلة النوم، التي تصل أحيانا للموت. يجب تهيئة مكان النوم بأخذ بعض الملاحظات التي تُساعد الجسم على أخذ كفايته من النوم بجودة جيدة: [15]
يمكنك إجراء اختبار "Epworth Sleepiness Scale" الذي يساعدك على قياس وقت النوم الذي تحظى به ويبلغك إن كنت وصلت لمعدلات الحرمان من النوم، أم أنك تحصل على كفايتك التي تحميك وتقي دماغك من المخاطر التي يمكن القول عنها بأنها قاتلة! وتذكر بأن لديك جسدا واحدا ودماغا واحدا؛ فأفضل ما يمكنك تقديمه لهما هو وقت من النوم الكافي الذي يستحقانه.