ماذا يعني بيع فودافون العالمية لحصتها في مصر؟
القاهرة- باعت فودافون (vodafone) العالمية قبل أيام حصتها البالغة 55% من فودافون مصر لشركة فوداكوم (Vodacom) التابعة لها والعاملة بسوق جنوب أفريقيا، في صفقة مفاجئة للسوق، تم التكتم على ترتيبات تفاصيلها شهورا، ولا تزال قيد الموافقات الرقابية والقانونية من قبل الجهات المعنية في كل من مصر وجنوب أفريقيا.
وحسب مصادر بوزارة الاتصالات، فقد تقدمت شركة فودافون مصر بطلب نهاية الأسبوع الماضي لجهاز تنظيم الاتصالات تعلن نيتها لتغيير ملكيات الأسهم.
ويستغرق فحص الجهاز طلب فودافون للبت فيه عدة شهور بعد الاطلاع على البيانات المطلوبة من الشركة، وضمانات حقوق الشركاء والعملاء، ومن المتوقع الانتهاء من عملية إتمام نقل الملكية بحلول 31 مارس/آذار المقبل.
والمالك الجديد لأسهم الشركة العالمية في فودافون مصر هو فوداكوم الجنوب أفريقية، وتدفع ما قيمته 2.7 مليار يورو مقابل الحصة.
تخفيف للأعباء أم بحث عن تحسين الخدمات؟
يرى متابعون لسوق المحمول في مصر أن الصفقة تعد تخفيفا لأعباء المجموعة العالمية في مصر، بعد فشل محاولة سابقة لبيع حصتها في فودافون مصر لشركة "إس تي سي" (STC) السعودية مقابل 2.39 مليار دولار، التي ظلت تراوح مكانها منذ مطلع العام الماضي حتى نهايته، عندما تم الإعلان عن فشل الصفقة.
وتخفض فودافون العالمية بهذه الصفقة حصتها في فودافون مصر، وستقوم فوداكوم بالاستحواذ على حصة الشركة العالمية البالغة 55% من فودافون مصر.
وبذلك تتملك فودافون العالمية 60.5% (وهي حصتها الحالية في فوداكوم) من حصتها السابقة في فودافون مصر البالغة 55%، أي أنها باتت تتملك فقط أقل من 40% من فودافون مصر.
غير أن مسؤولا بشركة فودافون مصر -تحفظ على ذكر اسمه- أكد للجزيرة نت أن فودافون العالمية ستزيد حصتها في فوداكوم إلى 65.1% بهذه الصفقة بعد مقاصة مبادلة الأسهم بين الشركتين، مما يعني أن نسبتها من الأرباح النهائية ستزيد، ولن تقل بانخفاض نسبة المجموعة المباشرة في فودافون مصر.
وأكد المصدر أن كل القرارات والأمور التشغيلية لفودافون مصر ستظل في يد فودافون العالمية بوصفها المالك النهائي لفوداكوم.
وكانت المجموعة العالمية أعلنت من قبل أنها تريد التخارج من عدد من الأسواق الناشئة، ومنها السوق المصري، تخفيفا للأعباء المالية والتشغيلية.
غير أن محللين رأوا في مساعي البيع المتكررة محاولة لتجنب المشاكل التشغيلية الناجمة عن العمل في السوق المصري، إذ واجهت فودافون عقبات في نصب الأبراج والحصول على ترددات أعلى.
وانعكس ذلك على جودة الخدمات المقدمة لمستخدمي الشبكة مؤخرا، التي تميزت بها فودافون في مصر منذ دخولها السوق المحلي، وكانت الأسبق في طرح التقنيات العالمية الجديدة كل حين بالسوق.
وأقر جهاز تنظيم الاتصالات عقوبات وصلت لنحو 25 مليون جنيه (الدولار بنحو 16 جنيها) ضد شركات الاتصالات، ومنها فودافون مصر، بسبب تراجع جودة الخدمات.
وفي تقرير لجودة خدمات المحمول أصدره جهاز الاتصالات عن الربع الثالث لعام 2021، رصد المناطق التي تعاني من مشاكل في جودة الخدمات الصوتية للشركة، ليسجل تراجع الخدمات في 28 منطقة من أصل 81 منطقة (مدينة وحي) تم إجراء اختبارات القياس بها.
وفي بيانات لها، تقول فودافون العالمية إنها استثمرت في فودافون مصر أكثر من 70 مليار جنيه منذ دخولها السوق المصرية، ونجحت في تصدر سوق المحمول بأكثر من 44 مليون مشترك، وكذلك تصدر خدمة تحويل الأموال إلكترونيا بنحو 11 مليون مستخدم.
ماذا تجني فوداكوم من الصفقة؟
في بيان لشركة فوداكوم، أكدت أن قيامها بشراء حصة فودافون العالمية في مصر يأتي في إطار "سعيها لتعزيز وجودها في القارة وزيادة ربحيتها، لا سيما في مجال الخدمات المالية".
وكانت فوداكوم الشركة التي سبقت إلى تقديم فكرة تحويل الهاتف المحمول لمحفظة إلكترونية في كينيا، وهي خدمة يتاح من خلالها الاحتفاظ بالأموال في المحفظة، وتحويلها بين المستخدمين، في ما عُرف لاحقًا باسم "فودافون كاش".
وتتطلع فوداكوم إلى توسيع خدمة المدفوعات الرقمية (فودا باي) التي أطلقتها حديثا في السوق المصري.
وبصفقة الشراء، تمسك فوداكوم بطرفي القارة الشمالي (مصر) والجنوبي (جنوب أفريقيا)، "مما يمنح فوداكوم موقعا إستراتيجيا يمكنها من تحقيق نمو في سوق سريع النمو للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات".
وقالت فوداكوم إن الاتفاق سيوسع أيضا نطاق تغطيتها ليشمل 37 ألف موقع شبكات، مما يجعلها أحد أكبر مالكي أبراج الاتصالات في أفريقيا، وتتوقع فوداكوم أن تنوع الصفقة إمكانات نمو أرباح تشغيل مجموعة فوداكوم على الأمد المتوسط.
ما موقف الشريك المحلي؟ ولماذا لم يشتر حصة الشريك العالمي؟
قبيل إخطار فودافون مصر جهاز الاتصالات بأمر الصفقة، تلقت المصرية للاتصالات إخطارا مماثلا بوصفها شريكا يتوجب إخطاره بقرارات وتحركات الشريك الرئيسي، بموجب اتفاقية المساهمين، كما يحق لها شراء الحصة بحق الشفعة في حال عرضها للبيع.
ورغم إحجام مسؤولي الشركة عن ذكر تفاصيل المفاوضات مع فودافون، فإن مضي فودافون في بيع حصتها لفوداكوم يعني إجمالا الرفض من جانب "المصرية" لشراء حصة فودافون لارتفاع المقابل، فضلا عن عدم توافر السيولة اللازمة، إذ اضطرت المصرية للاتصالات لاقتراضٍ دولاري من بنوك غير مصرية لتمويل عملياتها قبيل أسابيع.
وحسب مصادر بالشركة، فإن صفقة بيع حصة فودافون العالمية في وحدتها بمصر لفوداكوم يرجع تاريخها لما قبل منتصف العام الحالي، حينما عرضت فودافون العالمية بيع حصتها لفودافون مصر بحق الشفعة، كما ينص تعديل على اتفاقية المساهمين أُقر آنذاك منح المصرية للاتصالات العديد من المزايا والحقوق الإضافية مقابل حصول مجموعة فودافون على حق نقل ملكية حصتها في شركة فودافون مصر داخل مجموعة فودافون، وذلك مشروط بتقديم المساهم الجديد -المنقول له الحصة- صك التزام بكافة البنود الواردة باتفاقية المساهمين المعدلة.
وينص اتفاق المصرية للاتصالات المعدل مع فودافون العالمية على الحصول على جزء من الأرباح سنويا بداية من العام المقبل، لا يقل عن 60%، في حين كانت فودافون العالمية في السابق تفضل ترحيل توزيع الأرباح لأعوام تالية، لتمويل التوسعات في وحدتها المحلية بمصر.
وحصلت المصرية للاتصالات على حق بيع جزء من حصتها لأي مشتر محتمل لحصة مجموعة فودافون، بما لا يتعارض مع أي حقوق أخرى ينص عليها القانون المصري، بما في ذلك حق قبول عرض شراء إجباري.
والمصرية للاتصالات شركة حكومية تدير شبكة محمول منافسة لفودافون هي شبكة "وي" (WE) ضمن 4 مشغلين للمحمول في البلاد، كما أنها المشغل الوحيد لخدمات الهاتف الأرضي، وتحتكر توفير البنية الأساسية للاتصالات في مصر، وتمتلك 45% من فودافون مصر.
كيف تأثرت البورصة بالصفقة؟
لم تتأثر البورصة المصرية كثيرا بالصفقة؛ فالشريك الرئيسي (المصرية للاتصالات) ارتفع سهمها المدرج بالبورصة بشكل طفيف بلغ 0.44% حتى منتصف تعاملات جلسة يوم الإعلان عن الصفقة الأربعاء الماضي، بتداولات قيمتها 32.4 مليون جنيه.
ولشركة فودافون مصر حضور ضئيل في البورصة بنحو 0.2% من أسهم فودافون مصر، وهو الأمر الذي يفسر -في رأي مراقبين- عدم تأثر البورصة بالصفقة، رغم أن السهم نفسه ارتفع في سوق خارج المقصورة، من 70.52 جنيها للسهم إلى 137.77 جنيها بنسبة 95.36%، حينما أعلنت عرض بيع حصة في فودافون مصر للشركة السعودية.
تاريخ صاخب لفودافون في مصر
دخول فودافون مصر كان صاخبا منذ بدايته، فعندما أُعلن نهاية التسعينيات من القرن الماضي طرح رخصة ثانية لتشغيل الهاتف المحمول، تقدم لها مستثمرون محليون من أبرزهم رجل الأعمال الراحل محمد نصير، ونافسه عليها رجل الأعمال نجيب ساويرس.
واقتنص الصفقة تحالف نصير المكون من شركته وفودافون العالمية، وشركة "إير تاتش" عام 1998، وعرفت وقتها باسم "كليك جي إس إم" وكانت المشغل الثاني للمحمول.
وأحدثت الصفقة ضجة في السوق، وسعى ساويرس لدى قيادات بالدولة لتعويض خسارته قائلا في تصريحات صحفية "أنا لو اسمي محمد كنت أخذت الرخصة"، لافتا إلى أن استبعاده جرى لانتمائه الديني بوصفه مسيحيا، وتمت ترضيته بمنحه الرخصة الأولى لتشغيل الهاتف، التي كانت مملوكة للمصرية للاتصالات، وسميت لاحقا باسم "موبينيل" وحاليا باسم "أورانج"، وظلت الشركتان تتنافسان وحدهما بالسوق حتى عام 2007 عندما طرحت رخصة ثالثة.
بعد مرور عام واحد فقط من الحصول على رخصة المحمول الثانية، استحوذت مجموعة فودافون على حصة "إير تاتش". وفي عام 2002 استحوذت على حصة الشريك الفرنسي الدولي "فيفاندي"، ثم قامت بتغيير العلامة التجارية من "كليك جي إس إم" إلى فودافون مصر.
وتغير هيكل المساهمين في فودافون مصر مجددا بدخول الشركة المصرية للاتصالات بحصة 44.94%.