في المستقبل.. هل سيقرأ هاتفك الذكي أفكارك؟
سمحت دراسة فنلندية للذكاء الاصطناعي بإنشاء صور قائمة على الأفكار، وتعتبر هذه التجربة خطوة أخرى نحو تحقيق حلم إيلون ماسك، القائم على ربط البشر بالأجهزة. فعلى سبيل المثال، تخيل عالما يرتدي فيه المرء خوذة على رأسه تعمل على تحليل موجات الدماغ وتسمح بالتحكم في الأشياء المتصلة فضلا عن إنشاء الصور ونقل الأفكار من خلال الحاسوب أو الهاتف الذكي.
وفي تقريره الذي نشرته صحيفة "لوبس" (L’OBS) الفرنسية، يتساءل الكاتب جان بول فريتز، عما إذا كانت هذه الخطوة ستساعد في تقويم النطق أو إعادة البصر أو مساعدة الأشخاص الذين حرموا من حق التنقل، أو ستجعل غسالة الصحون تنظّف الأطباق بمجرد تفكير صاحبها في ذلك.
من جهته، قال مؤسس شركة "سبيس إكس" (Space X) الأميركية ورئيسها، إيلون ماسك، إنه يرغب في إدخال شريحة في جمجمة الإنسان وتوصيلها بشكل أفضل بالأجهزة أو بهدف تحويلنا إلى بشر "معززين" قادرين على تفويض ذاكرتنا أو أفكارنا إلى الحاسوب. أما اليوم، اتخذ العمل الذي أنجزه 3 باحثين فنلنديين والذي نُشر في مجلة التقارير العلمية، والرابط بين الإنسان والأجهزة خطوة أبعد من ذلك، حيث تمكن الذكاء الاصطناعي من خلق صور مطابقة للأفكار.
اتجاهان رئيسيان
أضاف الكاتب أن التواصل بين الدماغ البيولوجي والذكاء الرقمي لا يزال في مرحلة البداية. وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، فإننا ما زلنا بعيدين عن التواصل بالفعل مع الأجهزة. وفي الحقيقة، هناك اتجاهان رئيسيان للبحث فيما يتعلق بالواجهة العصبية المباشرة، وهما الأساليب غير الجائزة مثل مشروع إيلون ماسك لزرع شرائح مع أقطاب كهربائية يتم إدخالها في الدماغ، والأساليب الجائزة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي أو تخطيط كهربية الدماغ.
في الحقيقة، يتطلب التصوير بالرنين المغناطيسي معدات ثقيلة، وبالتالي، لن نرى في أي وقت قريب جهازا قادرا على متابعتنا في كل مكان لمسح نشاط الخلايا العصبية. من جهة أخرى، يعدّ تخطيط كهربية الدماغ أقرب ما يمكن إلى التقنية المحمولة، حيث توجد بالفعل إصدارات يمكن توصيلها بالهاتف الذكي.
وأشار الكاتب إلى أنه في حال استطعنا قراءة نشاط الدماغ، فسيعني ذلك إحراز تقدم على الرغم من محدوديته فإنه مثير للإعجاب. فعلى سبيل المثال، نجح مختبر غالانت بجامعة كاليفورنيا في بيركلي (The Gallant Lab at UC Berkeley) في عام 2011 في إعادة بناء الصور التي يراها المتطوعون بدقة من خلال نشاط القشرة البصرية لديهم. وبعد مرور عام، نجح فريق ياباني في فك تشفير الإشارات المقابلة للصور التي حلم بها الأشخاص عندما كانوا يخضعون لفحص الدماغ.
فك شفرة الصور التي نتخيلها
وقع اختيار كل من لوري كانغاسالو وميشيل سبابي وتوكا روتسالو، العاملين بقسم علوم الحاسوب في جامعة هلسنكي (University of Helsinki)، لإجراء تجاربهم من أجل دفع الواجهة بين الإنسان والأجهزة إلى أبعد من ذلك. وهنا، لم يعد الأمر يقتصر على مسألة كتابة حرف أو استبدال الفأرة بالفكرة، وإنما شمل التقاط البيانات في العقل من أجل تصورها.
في الأثناء، طلب العلماء من مجموعة تضم 31 متطوعا التفكير في فئات من الوجوه، سواء لصغار أو كبار في السن -نساء كانوا أو رجالا- وأثناء تسجيل موجات الدماغ المرتبطة بذلك قدموا لهم لأول مرة وجوها تم إنشاؤها بواسطة الحاسوب مع بعض الخصائص.
من جانبه، قال البروفيسور توكا روتسالو، المؤلف المشارك في الدراسة، "تجمع التقنية بين ردود الفعل البشرية الطبيعية وقدرة الحاسوب على إنشاء معلومات جديدة". وأضاف روتسالو، أنه "خلال التجربة، طلب من المشاركين النظر فقط إلى الصور المحوسبة. وبدوره، نمذج الحاسوب الصور ورد فعل الإنسان باستخدام تفاعلات الدماغ البشري، ومن هنا يمكن للحاسوب إنشاء صورة جديدة تمامًا تتوافق مع نية المستخدم".
في المقابل، قال الباحثون الآخرون "على حد علمنا، تُعتبر هذه الدراسة الجديدة الأولى من نوعها التي تم فيها تصميم عرض المعلومات بواسطة الحاسوب وإشارات الدماغ في وقت واحد باستخدام أساليب الذكاء الاصطناعي".
مزيد من الرفاهية.. مزيد من القلق
من خلال تطبيق هذه المبادئ، يمكن جعل الحاسوب يتخيل ما يفكر فيه الشخص ويعرض الصور المقابلة. علاوة على ذلك، يؤكد العلماء الفنلنديون، الذين يعتقدون أن مثل هذه التكنولوجيا يمكن أن تساعد الفنانين، أنه يمكن استخدام هذه التقنية في علم النفس وعلم الأعصاب المعرفي.
من جهته، قال روتسالو "إذا كنت ترغب في رسم شيء ما أو توضيحه وكنت غير قادر على القيام بذلك، يمكن للحاسوب مساعدتك في تحقيق هدفك عن طريق مراقبة مركز انتباهك والتنبؤ بما ترغب في إنشائه".
وفي هذا الصدد، أوضح ميشيل سبابي أن "هذه التقنية لا تتعرف على الأفكار، وإنما تستجيب للارتباطات التي نكوّنها مع الفئات العقلية".
في حال تمكن الذكاء الاصطناعي من فك تشفير الصور الموجودة في دماغ الإنسان، فسيكون بالإمكان تخيل الانحرافات المحتملة في حال النجاح في تفصيل وتحليل الأفكار أو ارتباطاتنا اللاواعية بمساعدة هذا النوع من التكنولوجيا.
ومثلما جرى الأمر دائما، يساعد التقدم التكنولوجي في الحصول على المزيد من الرفاهية، ومع ذلك يظل التفكير في إمكانية قراءة الحاسوب للأفكار مسألة تثير الجدل والقلق.