الروبوتات.. عبودية اصطناعية أم رفاه اصطناعي
الروبوتات ليست اختراعا حديثا. أول روبوت صنع منذ تسعة قرون في وادي دجلة وليس في وادي السيليكون. وكلمة روبوت نفسها تعود إلى 100 عام مضت. أول من استخدمها الكاتب التشيكي كارل تشابيك في مسرحية له عرضت عام 1921. وتشير في اللغة التشيكية إلى العمل الشاق والعبودية.
هناك اتفاق على أن أول من استخدم كلمة روبوت هو الكاتب المسرحي التشيكي كارل تشابيك، حيث ظهرت هذه الكلمة عام 1921 في مسرحيته “روبوت روسوم الآلي”. ولكن هذا لا يعني أن أول ظهور للروبوت كان بعد استخدام هذه الكلمة، بل يعود تاريخ الروبوتات إلى زمن أبعد بكثير. وقد يكون القرن الثاني عشر ميلاديا هو الزمن الذي ظهرت فيه الروبوتات.
صناعة الحيل
إن كان ذكر سوريا اقترن بولادة الكمبيوتر الشخصي على يد مصعب عبدالفتاح الجندلي، وهو سوري الأصل من محافظة حمص ولد في سان فرانسيسكو وعرضه والداه للتبني، ليعرفه العالم فيما بعد باسم ستيف جوبز، فإن اسم سوريا اقترن أيضا باسم أول مخترع للإنسان الآلي؛ بديع الزمان أَبوالعز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري، الذي عاش في القرن الثاني عشر ميلاديا ويعتبر من أعظم المهندسين والمخترعين في التاريخ.
ولد الجزري في منطقة جزيرة ابن عمر التي تقع شمالي سوريا على أطراف نهر دجلة، وهي منطقة يسكنها الأكراد، وعرف عنه إجادة التحدث بثلاث لغات هي العربية والكردية والتركية. وكتب مؤلفاته باللغة العربية. عمل رئيسا للمهندسين في ديار بكر (آمد) حيث حظي برعاية أمراء بني أرتق، ودخل في خدمة ملوكهم لمدة خمس وعشرين سنة. صمم خلال تلك الفترة آلات كثيرة ذات أهمية كبيرة كثير منها لم يكن معروفا من قبل. من بينها آلات لرفع الماء وساعات مائية ذات نظام تنبيه ذاتي وصمامات تحويل وأنظمة تحكم ذاتي وكثير غيرها، شرحها في مؤلفه المزود برسومات توضيحية وعنوانه “الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل”.
والجزري أول من اخترع إنسانا آليا مبرمجا للقيام بمهمة محددة، عندما طلب منه أمير أرتق أن يصنع له آلة تغنيه عن الخدم كلما رغب في الوضوء، فصنع له آلة على هيئة غلام في إحدى يديه إبريق ماء وفي الأخرى منشفة وعلى عمامته يقف طائر، فإذا حان وقت الصلاة يصفر الطائر ثم يتقدم الخادم الآلي نحو الأمير ويصب
عليه الماء من الإبريق، فإذا انتهى من وضوئه قدم له المنشفة، ثم يعود إلى مكانه بينما العصفور يغرد.
سوريا نسيت الجزري، مثلما نسيت مصعب عبدالفتاح الجندلي، ولكن التشيك لم ينسوا كاتبهم المسرحي تشابيك، واستغلوا مرور الذكرى المئوية على أول عرض لمسرحيته بعرض مسرحي، ولكن هذه المرة من كتابة روبوت.
خلال شهر مارس الماضي عرضت المسرحية على الإنترنت وحملت عنوان “الذكاء الاصطناعي: عندما يكتب الروبوت مسرحية”. تُروى أحداثها على لسان روبوت، وهو الشخصية الرئيسة في المسرحية بعد أن قرر الخروج إلى العالم للتعرف على المجتمع والعواطف البشرية، بل حتى التعرف على الموت.
المسرحية التي يستمر عرضها لمدة 60 دقيقة من تأليف المولد اللغوي جي بي تي – 2 (2 GPT) الذي ابتكرته شركة أوبن إيه آي (OpenAI) وأشرف على إنتاجها باحثون من جامعة تشارلز في التشيك.
حلم سيء
أشار تقرير نشرته دورية ساينس، التي تصدر عن الجمعية الأميركية لتقدم العلوم، إلى أن الباحثين زودوا نموذج جي بي تي – 2 بافتتاحية مكونة من جملتين فقط من الحوار، لينتج بعدها ما يصل إلى ألف كلمة، ثم كرروا العملية لإنتاج المسرحية كاملة.
يجد الروبوت، بطل المسرحية، نفسه وحيداً بعد وفاة سيده فيكتور، وأن عليه أن يتعامل مع الجنس البشري وحده، فيتنقل عبر مشاهد غرائبية ليلتقي الكثير من “النساء اللاتي يرتمين تحت قدميه”، ويطرح أحياناً أسئلة عن الحياة والرفقة والفناء، “كما لو كان في حلم سيء”، بحسب وصف صحيفة الغارديان البريطانية.
ويرى الباحثون أن المسرحية التي عرضت باللغة التشيكية، مع ترجمة باللغة الإنجليزية، لا ترقى بالطبع إلى مستوى مسرحيات ويليام شكسبير؛ ففي بعض الأحيان تخرج الأحداث والحوارات عن تسلسلها المنطقي، وأحياناً “ينسى الذكاء الاصطناعي أن الشخصية الرئيسة هي روبوت وليست إنساناً”، كما أنه “قد يحول الذكر إلى أنثى في منتصف الحوار”، على حد قول رودولف روزا عالم اللغويات الحاسوبية في جامعة تشارلز.
ويرجع ذلك إلى أن النموذج لا يفهم، حقاً، معنى الجمل التي يكتبها، وإنما يجمع الكلمات التي تُستخدم معاً، واحدة تلو الأخرى. وكلما ازداد عدد الكلمات أثر ذلك سلباً على ترابط النصوص التي ينتجها؛ لذا قسم الباحثون العرض إلى ثمانية مشاهد، مدّة كل منها أقل من 5 دقائق، وذلك بدلاً من السماح للنموذج بكتابة المسرحية كُلَّها مرة واحدة. كما اقتصر الحوار على شخصيتين فقط في كل مشهد من مشاهد المسرحية.
الباحثون قاموا أيضا بتغيير النص في بعض المقاطع؛ لتعديل الأخطاء في جنس الشخصيات أو في حالات تكرار الكلام. بيد أن روزا الذي شارك في الإشراف على المشروع يوضح أن 90 في المئة من النص النهائي لم يمس، وأن نسبة التدخل البشري لم تزد عن 10 في المئة.
يتوقع تشاد ديشانت، خبير الذكاء الاصطناعي في جامعة كولومبيا، أن الأمر “سيستغرق حوالي 15 عاماً حتى تتمكن التكنولوجيا من تأليف نص معقد ومتماسك، مثل المسرحيات، من البداية إلى النهاية”. ومع ذلك فإنه يعتقد أن “التجربة جاءت رائعة وتظهر ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله حالياً، واستطاعت أن تثير حماسة الناس”.
بعد عرض المسرحية، دون حضور جمهور، سمح الفريق المشرف على التجربة بعرضها على الإنترنت لبضعة أيام. وتعهد الفريق بعرضها مرة أخرى على مسرح شافاندا في العاصمة التشيكية براغ، عندما تسمح ظروف جائحة كوفيد – 19 بذلك.
عالج تشابيك في مسرحيته فكرةَ الوصول إلى الإنسان الآلي الخلاق الذي بإمكانه أن يصبح سيداً على الطبيعة، محذرا من التقدم العلمي الذي قد يؤدي إلى هلاك البشرية.