• 31 Jan 23
  • smartwatchesss

إقليم فرنسي يطرح عملة خاصة بديلة لليورو، فما السبب؟

لم يكد يمضي وقت طويل على وصولي إلى مدينة بايون الفرنسية، حتى أدركت أن هذه البلدة التي تقع على ضفاف النهر وتزخر بمنازل ضيقة تتخللها أزقة متعرجة على طراز العصور الوسطى، تختلف عن سائر مدن إقليم الباسك.

ويعيش في إقليم الباسك الفرنسي الشمالي نحو 300 ألف نسمة، في حين يعيش في إقليم الباسك الإسباني الجنوبي ما يزيد على مليوني نسمة، وتجمع سكان الجانبين الإسباني والفرنسي من الإقليم لغة وثقافة واحدة.

لكن بخلاف عدد السكان، ثمة اختلافات عديدة بين الجانبين الإسباني والفرنسي من الإقليم، منها أنك نادرا ما ترى علم إقليم الباسك يرفرف في الجانب الفرنسي، فضلا عن أن الأطعمة المحلية التي اشتهر بها الإقليم تختلف مذاقا وشكلا في الجانب الفرنسي عنها في الجانب الإسباني.

ولاحظت أن الغالبية العظمى من أسماء المتاجر وقوائم الأطعمة بالمطاعم وحتى لافتات الطرق في إقليم الباسك الفرنسي مكتوبة باللغة الفرنسية وليس الباسكية، وهي اللغة المحلية في الإقليم وتسمى أوسكارا. وذلك لأن اللغة الباسكية غير معترف بها رسميا في فرنسا، على عكس إسبانيا. وشعرت أن ملامح الثقافة الفرنسية طغت على شوارع مدينة بايون.

يقول دانت إيدم-سانخورخو، أحد السكان المحليين بمدينة بايون: "أوشكت لغتنا القومية على الاندثار في إقليم الباسك الفرنسي، لأن جميع سكان الإقليم يتحدثون الفرنسية. ولا يستخدم الصغار اللغة الباسكية رغم أنهم يتعلمونها في المدارس العامة والخاصة، ويخجل سكان الإقليم من التحدث بلغتهم المحلية أمام الغرباء وكأنها أصبحت لغة خاصة بهم لا يريدون أن يطلعوا عليها أحدا".

وفي عام 2013، طرح إيدم-سانخورخو ومعه 12 متطوعا عملة خاصة بالإقليم بديلة لليورو، وكانوا يهدفون من وراء طرحها إلى إحياء الهوية الثقافية وإذكاء مشاعر الاعتزاز باللغة المحلية والحفاظ على التداول النقدي داخل إقليم الباسك الفرنسي من خلال دعم الشركات المحلية.

وفي عام 2018، بلغ حجم المعاملات المالية باستخدام العملة البديلة التي أطلقوا عليها اسم "يوسكو"، ما يعادل مليون يورو، ما يجعلها التجربة المالية الأكثر نجاحا على مستوى أوروبا.

تخطى البودكاست وواصل القراءةالبودكاستمراهقتي (Morahakaty)

تابوهات المراهقة، من تقديم كريمة كواح و إعداد ميس باقي.

الحلقات

البودكاست نهاية

واليوم أصبحت "يوسكو" عملة رسمية مقبولة في 17 بلدية و820 متجرا وشركة وجمعية في إقليم الباسك الفرنسي. وتقول مؤسسة "يوسكال مونيتا"، التي يرأسها إيدم-سانخورخو، وهي المؤسسة المسؤولة عن التداول بعملة يوسكو وطباعتها، إن سكان الإقليم يفتحون لدى المؤسسة حسابين أو ثلاثة حسابات بعملة يوسكو يوميا.

وتشجع المؤسسة الشركات التي تتعامل بعملة يوسكو على استخدام اللغة المحلية إلى جانب الفرنسية، ويقول إيدم-سانخورخو: "نحث أصحاب المتاجر على تعلم بعض الكلمات باللغة الباسكية لاستخدامها عند تحية الزبائن أو لكتابة أكبر عدد ممكن من اللافتات باللغة الباسكية. وإذا انتشرت اللغة الباسكية في الأماكن العامة لن يخجل الصغار من استخدامها".

غير أن فكرة إصدار عملة محلية مكملة للعملة الوطنية، ليست بالجديدة. إذ استلهمت مؤسسة "يوسكال مونيتا" الفكرة من إقليم كيمغاو في منطقة بافاريا العليا بألمانيا، الذي طرح عملة "كيمغاوار" في عام 2003. ويوجد الآن ما يتراوح بين 10 آلاف و15 ألف عملة بديلة متداولة حول العالم، منها نحو 60 عملة محلية مقبولة في فرنسا.

وهناك عملات في أوروبا يتداولها السكان في نطاق محدود للغاية، إلى حد أن بعض سكان المدينة قد لا يعلمون عنها شيئا، مثل جنيه بريكستون، الذي أصدرته مدينة بريكستون جنوبي العاصمة البريطانية لندن. وكذلك عملة "بيش" التي طُرحت في باريس مؤخرا. وتوجد عملات محلية عديدة متداولة في إقليم الباسك الإسباني، لكن لم تظهر بعد أي عملة تضاهي "يوسكو" من حيث حجم التداول والمعاملات.

وقد أصبحت "يوسكو" أول عملة محلية في فرنسا تُتاح ماديا ورقميا. إذ طرحت حسابات رقمية بعملة "يوسكو" في عام 2017، ومنذ ذلك الحين زاد الإقبال على شرائها. ويقول إيدم-سانخورخو إن حجم تداول عملة يوسكو مقابل اليورو وصل إلى 60 ألف يوسكو شهريا. وقد لفت هذا النجاح أنظار مجتمعات أخرى في أوروبا تتطلع إلى استنساخ هذه التجربة.

لكن إيدم-سانخورخو يقول إن طرح عملة محلية إلى جانب العملة الوطنية في الأسواق وإقناع الجمهور بالتعامل بها لم يكن سهلا على الإطلاق.

إقليم فرنسي يطرح عملة خاصة بديلة لليورو، فما السبب؟

ويضيف: "لم يكن أحد يعرف شيئا عن العملات البديلة. وظنوا أنها ستحل محل العملة الوطنية، كما حل اليورو من قبل محل الفرنك الفرنسي والبيزيتا الإسبانية."

لكن سرعان ما لاقت عملة يوسكو رواجا كبيرا، وأصبحت واحدة من العملات البديلة الأكثر تداولا. ولم تكد تمر ستة أشهر على طرحها حتى أصبحت العملة الأكثر تطورا بين العملات البديلة في فرنسا.

ولكي تحصل على عملة يوسكو، عليك أولا أن تفتح حسابا لدى مؤسسة "يوسكال مونيتا"، وتدفع رسوما قدرها 12 يورو على الأقل سنويا، ثم تختار جمعية داخل الإقليم لدعمها ماليا، مثل إحدى الشركات أو ناد لكرة القدم للأطفال أو مدرسة لتعليم الأطفال اللغة المحلية. وعند التحويل من يورو إلى يوسكو، تحصل الجمعية التي اخترتها على ثلاثة في المئة من المبلغ الناتج بعد التحويل.

لكنني اخترت أن أحول من يورو إلى يوسكو في المكتب السياحي بمدينة بايون مقابل رسوم قدرها اثنين يورو. وأعطاني الموظف قائمة بالمتاجر التي تتعامل بيوسكو مصحوبة بقاموس صغير للغة الباسكية.

إلا أنني عندما رأيت عملة يوسكو تذكرت النقود التي نستخدمها في ألعاب التسلية، إذ لم أر من قبل أوراق بنكنوت تحمل عنوان موقع إلكتروني.

لكن هذا لا يعني أن يوسكو عملة وهمية. بل اتُخذت تدابير عديدة لحماية هذه العملة من التزييف، مثل استخدام الحبر الخاص الذي يضيء تحت الأشعة فوق البنفسجية والشريط المعدني، وذلك للحفاظ على قيمتها كمورد اقتصادي بديل وتعزيز الفوائد التي تعود بها على المجتمع.

وفي واحدة من أكبر مدارس تعليم اللغة الباسكية في مدينة بايون، تسدد 19 من أصل 58 عائلة المصاريف الدراسية بعملة يوسكو. وتنفق عوائد برنامج يوسكو التي قد تصل إلى 1000 يورو سنويا على شراء كتب وأدوات مكتبية ووجبات صحية للطلاب.

ووضعت مؤسسة "يوسكال مونيتا" نظاما لتشجيع حائزي عملة يوسكو على التعامل بها أو عدم تحويلها لعملات أخرى، إذ تفرض رسوما قدرها خمسة في المئة على كل عملية تحويل من يوسكو إلى يورو.

يقول إيدم سانخورخو: "إن 84 في المئة من الشركات التي اشترت يوسكو لم تحولها إلى يورو، بل تتعامل بها مع الشركات الأخرى التي تقبل يوسكو في الإقليم."

ويضيف: "نحن نؤمن في فرنسا وفي إقليم الباسك بالحق في العيش والعمل في مسقط رأسك. ولأننا ليس لدينا في الإقليم مصانع أو جامعات كبرى، ابتكرنا أنشطة جديدة حتى لا يضطر سكان الإقليم إلى مغادرته بحثا عن عمل في مكان آخر".

وذكر جميع ملاك المتاجر في بايون الذين تحدثت إليهم أن السبب الرئيسي الذي شجعهم على قبول التعامل بيوسكو هو المزايا المالية التي يعود بها على الإقليم، مثل دعم التجار المحليين وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية. وقال أحدهم إنه راقت له فكرة استخدام عملة محلية في الإقليم لأنها توفر نظاما بديلا للنظام الرأسمالي، وتساعد على خلق مجتمع مترابط.

وانتهزت فرصة وجودي في الإقليم لأجس نبض المجتمع حيال الانفصال عن فرنسا، الذي يمثل إحدى القضايا الشائكة التي يحاول الجميع غض الطرف عنها. وسألتهم: "هل يراود أي منكم حلم استقلال إقليلم الباسك؟"

وقال أحد أصحاب المتاجر: "أنا لا أؤيد الاستقلال"، ورد آخر: "أنا لست مستعدا لذلك".

لكن رغم كل هذه التغيرات التي طرأت على الإقليم بعد طرح يوسكو كعملة بديلة للتداول، فإن الحياة في الإقليم تصطبغ بصبغة فرنسية، ولا تزال تحتاج للمزيد من الجهود لإحياء الهوية الباسكية.

ويقول إيدم- سانخورخو: "أصبح الناس أكثر جرأة على استخدام اللغة الباسكية في حياتهم اليومية. لكن هذا ليس كافيا، فنحن نريد أن يعتز الناس باللغة الباسكية ويشجعون الوافدين على تعلمها ويحرصون على تدريسها لأبنائهم، كما فعل سكان كتالونيا. هذا الهدف لن يتحقق بين يوم وليلة، لكننا سنعمل جاهدين لتحقيقه".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Travel

---------------------------------------

يمكنكم تسلم إشعارات بأهم الموضوعات بعد تحميل أحدث نسخة من تطبيق بي بي سي عربي على هاتفكم المحمول.