شفيق جلال ولد ميتا، وبدأ حياته مقلدا الكحلاوي، ودخل الإذاعة بخدعة (1/2)
* أطلق جده عليه لقب الدكتور شفيق بعد أن تم إنقاذه من الموت بأعجوبة
* اشتغل مع محمود شكوكو وهو في التاسعة من عمره نظير 5 قروش
* محمد عبدالوهاب سبب عشقه للغناء، وكان يردد له في طفولته (يا بنك مصر) و(الجندول)
كتب : أحمد السماحي
شفيق جلال صوت تستطيع بسهوله عندما تستمع إليه أن تشم فيه رائحة حواري مصر الشعبية، صوت مليئة بالرجولة، ولا يوجد فيه أي ميوعة، أو دلع، صوت قوي، سليم النبرات ومخارج الحروف، على مدى مشواره وقع عليه ظلم شديد، يجوز لأنه لم يكن لديه إصرار أو تحدي، خاصة أنه كما عرفته واقتربت منه في سنواته الأخيرة كان طيبا جدا وعفيف النفس وخجولا، وظل هذا الظلم مقترنا به حتى بعد رحيله، فلا تجد أحد يتحدث عن مشواره أو حتى تذاع أغنياته الشعبية الجميلة التى تذكرنا بأصالة الأغنية الشعبية وجمالها وفتوتها في عز مجدها الفني.
من منا ينسى (أمونة، شيخ البلد، بهانة، بنت بحري، يا أم الخلخال، عهد الهوى، فكر في اللي فاتوك، ماتبتسميش، كحيل العين، عيون الصبية، يا زين الملاح، بقى ده اسمه كلام، أنا من الفيوم يا وله، تحت شباكك، دنيا الحب، صباح النور، أيه معنى الحظ، كعب البنت ريال مدور، الواد حنكورة، الحق مش عليك) وغيرها، كما أنه برع في المواويل الشعبية التى مازالت محفورة في وجداننا حتى الآن مثل (موال الأصيل، موال عيني، سبع سواقي، موال الصبر، تاجر الصبر، يا خسارة الحر لما تغيره الأيام).
ولد ميتا
ولد (شفيق جلال عبدالله حسين محمد فتح الباب البهنساوي) يوم 2 إبريل عام 1929 الساعة الثالثة ونصف صباحا، في حي الدرب الأحمر، وكانت والدته من المنصورة، ووالده من الصعيد من بني مزار، وجاء الوالد والوالدة إلى مصر ولستقرا فيها، وتزوجت والدته من والده وهي في سن الثالثة عشر، لهذا تعبت جدا في ولادة ابنها الوحيد، لأنه نزل برأسه في رجلها الشمال، مما جعلها تصرخ وتطلب قطع رجلها، فأرسل جده لوالده وأحضر الدكتور (شفيق) الذي كان يأخذ 5 جنية في الكشف، لكنه ضحى بدفع هذا المبلغ الكبير جدا حتى ينقذ حفيده من الموت.
وبالفعل استطاع الدكتور (شفيق) إنقاذ الأم، لكن الوليد نزل ميت وقاطع النفس!، ولا يوجد فيه حياة، وجسمه أسود، وحزن الجميع وأعتقدوا أن المولود نزل ميتا، لكن نظرا لمهارة الدكتور (شفيق) طلب إحضار طبق ماء ساخن، وطبق آخر مملوء بالماء البارد، وكان ينقل المولود من الماء الساخن إلى الماء البارد.
ثم أحضر (منفاخ) وأعطاه نفس غير طبيعي، ثم طلب (مسطرة) ورفع المولود من رجليه الأثنين، وضرب على رجليه، وبعد دقائق مرت على الأسرة كأنها أسابيع صرخ المولود (واء واء واء)!، فهنأ الأسرة الفقيرة وقال لهم: (لوالولد ده عاش بعد سبع أيام، أطلقوا عليه اسمي!)، وبالفعل عاش الطفل، وأطلقوا عليه اسم (شفيق)، وليس هذا فقط، ولكنهم كانوا يطلقون عليه اسم (الدكتور شفيق).
عشق الفن بسبب عبدالوهاب
كبر الطفل (شفيق) وأدخلوه مدرسة في حي الجامع الأحمر في باب الشعرية، وبدأ الفن يتسرب إلى دمه بسبب عشقه للموسيقار (محمد عبدالوهاب)، وأغنيته الجديدة (يا بنك مصر، ده عيدك عيد الوطن والمال) التى كان يسمع يومها من الإذاعة وهو ذاهب إلى المدرسة، ومن حبه في الأغنية كان ينشدها يوميا لزملائه في المدرسة، لكن نظرا لفقر الحال لم يستطع تكملة تعليمه فأخرجه والده من المدرسة، وألحقه للغناء في فرقة (محمود شكوكو) وهو لم يتعدى العاشرة من عمره، مقابل 5 قروش يوميا، وأثناء ذلك أذيعت أغنية (الجندول) لمحمد عبدالوهاب فحفظها عن ظهر قلب.
العمل والغناء
بالرغم من أنه الابن الوحيد لوالديه إلا أنه تحمل مسؤولية إعالة الأسرة، ما اضطره للعمل بجانب الغناء مع (محمود شكوكو) في مصنع لصناعة الأحذية، وأثناء عمله وحتى يسلي نفسه وزملائه كان يغني لهم أغنيات لـ (محمد عبدالوهاب، ومحمد الكحلاوي، وصالح عبدالحي، وعبدالعزيز محمود) وغيرهم، وفى أحد المرات ُدعي لحضور حفل زميل له في المصنع في منطقة (برشنت) بالهرم، وهناك وجد فرقة موسيقية شعبية يقودها فنان اسمه (محمود النحاس)، وطلب منه زملائه في المصنع أن يغني، فغني بالفعل وأدهش الحضور بصوته.
المزيد من المشاركاتالفرح فرحنا.. كوميديا مصرية سعودية رائعة أفسدتها المهرجانات…
هشام العربي : وزيرة الثقافة وعدتني بدعم فرقة (أم كلثوم)
شوقي حجاب يهدي (شهريار النجوم) أغنية نادرة لـ (سمير غانم)
وبعد أسبوع لعبت الصدفة دورها حيث كان (شفيق جلال) يتجول في وسط البلد، بجوار صالات سينما وسط القاهرة، فالتقى صدفة بـ (النحاس) الذي كان يقود الفرقة بالفرح، فعرض عليه أن يغني معه الليلة في أحد الأفراح نظرا لتعب المطرب الذي كان من المقرر أن يغني الليلة، وعرض عليه (النحاس) أجر 20 قرش، بالإضافة إلى نصف النقوط العائد له من المعازيم، وبالفعل غنى وحقق نجاحا كبيرا
شارع محمد علي اهداه يا عم يا جمال
بدأ اسم (شفيق جلال) يتردد في الوسط الفني، وفي الأفراح، فسافر إلى العديد من المحافظات مثل السويس، والشرقية، والغربية، والأسكندرية وغيرها من المحافظات وكان في هذه الفترة تأثر بالمطرب الشعبي الكبير(محمد الكحلاوي) وكان يقلده، ويغني كل أغنياته في الأفراح، وعام 1942 احترف الغناء في (شارع محمد علي) وأثناء ذلك تعرف على الملحن (نجيب السلحدار) صديق والده الذي نصحه أن يغني أغنيات خاصة به، وبالفعل أعطاه أول أغنية في مشواره وهي (يا عم يا جمال) كلمات الشاعر (عبدالفتاح شلبي) التى يقول مطلعها :
يا عم يا جمال يا شايل الأحمال
جولي مسافر وين، لوفت على الأحباب
خد لحبيبي جواب مكتوب بدمع العين
يا عم يا جمال.
خدعة ليلتحق بالإذاعة
حققت أغنية (يا عم يا جمال) نجاحا كبيرا، جعله يفكر فى الإلتحاق بالإذاعة المصرية التى لم يكن الالتحاق بها أمرا سهلا، خاصة أن لجنة اعتماد الأصوات كانت صعبة للغاية، وتتكون من مجموعة من العمالقة وهم (أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، مصطفي رضا، محمد حسن الشجاعي، محمد فتحي) وغيرهم، وكان (شفيق جلال) يعيش في حالة ضيق بسبب اقتصار معرفة الناس به من خلال حفلات الأعراس فقط، ولتحقيق أمنية الالتحاق بالإذاعة ألهمه والده حيلة ذكية جدا حيث طلب منه الاشتراك في مجلة (الصباح) التى كانت شهيرة جدا في الأربعينات، وبعث برسالة إلى ركن التعارف الذي يجمع بين الشباب العربي، على أنه المطرب الشهير (شفيق جلال) ليعرف القراء بموهبته كمطرب، لكن وصله ردود من حوالي 300 شخص يخبرونه بأنهم لم يسمعوا به في الإذاعة إطلاقا، ولا حتى شاهدوه في أفلام السينما.
هنا تطوع الأب ورد على رسائلهم قائلا: لوعايزين تسمعوا (شفيق جلال) ابعتوا للمسئولين في الإذاعة واطلبوا سماع أغانيه، وعلى أثرها بدأت تصل للإذاعة يوميا عشرات الرسائل من الجمهور طالبين الاستماع إلى أغنيات (شفيق جلال)، وبدأ مذيعين الأذاعة يسألون من هو (شفيق جلال)! وظل اسمه عالقا في الأذهان حتى تقدم للاعتماد وما أن نطق اسمه حتى رحب به بعض المسئولين في الإذاعة وعندما غنى نال إعجابهم وتم اعتماده، ولكن ….!!
………………………………………………………
في الحلقة القادمة :
* تعرف على سر طلب الملك فاروق (شفيق جلال)؟!
* محمود ذوالفقار يطرده، وعزيزة أمير تدخله السينما.
* المطرب الشعبي يحكي بنفسه سر ابتعاده عن السينما.