كأس السعودية 2022 .. حلة من الإرث والمجد التليد
جانب من سباق الكأس.
العرضة السعودية.
لمسات تراثية من مناطق المملكة كافة.
لحظة التتويج برعاية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
جهاد أبوهاشم من الرياضالسمو والأصالة صفتان اتسمت بهما كأس السعودية لسباقات الخيل 2022، فالنسخة الثالثة والأغلى عالميا حملت ملامح الهوية المحلية، ورسخت الخيل رمزا ثقافيا لأبناء هذه الأرض، في ظل حضور طاغ للأزياء التراثية والتقليدية، مثلما حضرت ألوان الثقافة بكل تفاصيلها ومكوناتها وعناصرها، عبر فعاليات وأنشطة مشوقة قدمت المملكة في المكانة التي تستحق.
"الاقتصادية" من قلب ميدان الملك عبدالعزيز للفروسية في الجنادرية تنقل التجربة الإبداعية في المحفل العالمي، الذي انتهى بحفل رعاه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مختتما كأسا غالية، قيمتها تجاوزت 35 مليون دولار، وشارك فيها 240 جوادا من 16 دولة.
ألوان الثقافة
امتدت أيدي الجمال والإبداع إلى مرافق ميدان الملك عبدالعزيز كافة، فحضرت القهوة السعودية، المطبخ القديم، الحرف الشعبية، الأزياء التراثية، العرضة النجدية، الأنغام الموسيقية، وغيرها من ألوان الثقافة، في فعاليات تستهدف كل أفراد العائلة في باحتي الكحيلة والعبية.
وبين متعة السباق ومتعة التجول في أروقة الميدان، متعة مشاهدة الفنون الأدائية، فقد خصصت عروض فلكلورية بين كل سباق وآخر تمتد إلى 15 دقيقة، تعرض فن الخطوة، والسامري، والدحة، وعروضا موسيقية تتضمن أغاني سعودية وعربية بأعذب الألحان.
ولدى خط النهاية، كانت العرضة السعودية في ختام أغلى سباق خيل في العالم، وظفر بكأس السعودية الأمير سعود بن سلمان بن عبدالعزيز مالك الجواد "إمبلم رود"، بعد أن خطف جائزة الـ20 مليون دولار، ويسانده مدرب الجواد متعب الملوح، والخيال وجبرتو راموس، اللذان تسلما مجسم حصان وخوذة الخيال، وأنهى الجواد الشوط الثامن على المضمار الرملي قاطعا مسافة الشوط البالغة 1800 متر في 1.50.52 دقيقة.
تنوع ثقافي
في باحة الكحيلة تمر الساعات كالشهاب الخاطف، في فعاليات متتالية لا تتوقف، وكانت الأناقة التي جسدتها الدقلة والزخرفة التراثية التي تزين الأثواب الرجالية والنسائية محط اهتمام الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، ولا سيما عدسات الصحافة الإقليمية والعالمية.
لقد كان الخيل رفيقا للملك عبدالعزيز، وشريكا لرواد الدولة السعودية الأولى، وتوثق ذلك كتب التاريخ، وجسده أيضا شعار يوم التأسيس الذي احتفى به السعوديون قبل أيام، إذ تضمن الشعار وهويته البصرية خمسة رموز، هي: الخيل العربية، النخلة، الصقر، العلم السعودي، والسوق.
ولأن السوق جزء من التراث كما هي الخيل، نظمت وزارة الثقافة مزادا فنيا خيريا عبر الإنترنت، وقالت في بيان صحافي: "إنه شهد عرض مجموعة من الأعمال الفنية المرتبطة بالخيل التي عرضت سابقا في كأس السعودية للنسخة الثانية، على أن يخصص ريعها لإحدى الجمعيات الخيرية، إلى جانب (عشاء تحت النجوم)، قدم لضيوف كأس السعودية أطباقا محلية صنعت خصيصا لهذا الحدث العالمي".
القهوة وخيول الملوك
حضر كرم الضيافة وتحدث عنه مهتمون بالفروسية، مسؤولون ودبلوماسيون، وزوار من الأطياف كافة، بعد أن قدمت لهم كأس السعودية 2022 تجربة ثقافية لا مثيل لها، واصفين إياها بـ"واجهة حضارية مشرفة"، على حد تعبيرهم.
في ضيافة كأس السعودية لا يكتفي الزائر بتذوق القهوة من منطقة واحدة، إنما يتذوقها بخمس نكهات تمثل مناطق المملكة، في إطار احتفاء المملكة بالقهوة السعودية كعنصر ثقافي مرتبط بالقيم الأصيلة للمجتمع عبر تاريخه الطويل، وإعلان تسمية هذا العام بـ"عام القهوة السعودية" للاحتفاء بها عبر فعاليات وأنشطة ومبادرات، تعكس تاريخا حافلا بالعادات والتقاليد.
مرحلتا التحميص والبهارات، ثم تحضير القهوة وطقوس ضيافتها، أبرزتها فعاليات الكأس، فيما جسدت تحف فنية بلمسات إبداعية خيول الملوك السبعة في معرض "خيل ورجال"، ابتداء من المؤسس الملك عبدالعزيز، بتصميم الفنانة وفاء القنيبط.
على الجانب الآخر، خصصت منطقة للطفل، حافلة بالإبداع والمرح، تحتضن أنشطة للرسم والفنون اليدوية والمهارات والأنشطة المتعلقة بالفروسية، وورشا فنية، لتجعل من الكأس تجربة عائلية، لا تقتصر على عشاق الفروسية والخيل.
وفي مكان ليس ببعيد عن منطقة الطفل، صممت منطقة تصوير ذكية بكاميرا "بولت كأس السعودية" التفاعلية التي تمكن الزوار من التقاط صورة بزاوية 360 درجة، باستخدام هواتفهم المحمولة بحركة دوران بطيئة تعطي صورا محيطية، وعبر تقنية سينمائية عالية الدقة، بما يسهم في تعدد اختيارات الزوار لصورهم والفيديوهات، وقدرتهم على مشاركتها مع الأصدقاء وعبر مواقع التواصل الاجتماعي.
متحف وقاعات
أجنحة الثقافة كانت تروي ذاكرة الماضي والحاضر، ففي معرض تاريخ سباقات الخيل، تشكل تقنية الواقع الافتراضي وسيلة اتصال فعالة للتعريف بعالم الخيول، تحاكي العالم الحقيقي بشكل فريد وجديد، وتخاطب الوسائط المتعددة حواس الزوار، في عروض بصرية تعرض بطريقة سينمائية للخيل، قبل أن يدلف إلى قاعة تكشف عن رحلة تشكيل كؤوس وجوائز كأس السعودية، وصاحبتها مسابقة لتصميم كأس السعودية.
وفي معرض الكؤوس، تحمل كل جائزة اسما يعبر عن ماض تليد، أو مستقبل مشرق ينتظره الكثير، فجاءت أسماء الكؤوس: كأس نيوم، وكأس البحر الأحمر، وكأس نادي سباقات الخيل، وكأس العبية للخيل العربية الأصيلة، وسباق الديربي السعودي، وكأس الرياض للسرعة، إضافة إلى "كأس السعودية" الأغلى.
ومن هذين المعرضين إلى متحف تراثي للخيل، يستعرض أنواع الخيول العربية، تاريخها، صفاتها، ورسومات تراثية لها، وقطع هياكل عظمية وحجرية تعود إلى عصر ما قبل التاريخ. إذ تؤكد الدراسات الآثارية أن الجزيرة العربية هي المهد الأول للخيل، وأثبتت الاكتشافات أن على أراضيها استؤنست الخيول لأول مرة في التاريخ قبل أكثر من تسعة آلاف عام، إلى جانب قصص توثق أمجادها وعلاقتها بإنسان الجزيرة العربية منذ القدم، بكل ما تحمله من حب ووفاء.
الأزياء بلمسات عصرية
في باحة العبية، إحدى مناطق ميدان الملك عبدالعزيز، صالة ثقافية وفرتها وزارة الثقافة، تزدان بالكتب والعازفين ومقهى، وتقدم في جنباتها عروضا موسيقية منفردة على آلات القانون والعود والناي والكمان، يسبقها معرض للأزياء التراثية بمنظور معاصر، يقدمه مصممون سعوديون، مثل زي العرضة السعودية الذي صمم بمعايير حديثة، والمكون من "الصاية" و"المرودن"، وأضيفت إليه لمسات تجديدية.
وينبثق هذا المعرض من مبادرة هيئة الأزياء "100 براند سعودي"، وحضر فيه نحو 23 زيا تقليديا بطابع عصري، منها زي نسائي لنورا حفظي المصممة السعودية، مستوحى من طفولتها التي أمضتها في المدينة المنورة، وتستلهم الألوان والفكرة من الأبواب والرواشين والأرائك المخملية التي أخذت الصبغة الخضراء.
نادي سباقات الخيل الذي يزهو بألوان الثقافة شكل لوحة بديعة من التراث، تكاتفت فيها الهيئات الثقافية، ومنحت الزائر تجربة ثرية باتت منتظرة كل عام، لما تحمله من شغف بسباقات الخيل، وحدث يجمع الرياضة والثقافة والترفيه، ليطبع لدى زائره ذكريات لا تنسى.