• 05 Sep 22
  • smartwatchesss

التعليم الإلكتروني والعدالة !!

الكاتب:

د. رفاء الرمحي

بعد مرور عامٍ على جائحة كورونا، بات التعليم الالكتروني كأحد أبرز تدخلات التعليم عن بعد حقيقة لا مفر منها، إذ بتنا نجد طلبة المدارس والجامعات يستخدمون الأجهزة الإلكترونية والذكية المختلفة ليتمكنوا من متابعة حصصهم الصفية ومحاضراتهم الجامعية؛ مما ترتّب عليه تغيير في طريقة تقديم التعليم من المعلمين وأساتذة الجامعات الذين وجدوا أنفسهم أمام هذا التحدي دون سابق إنذار، أو تهيئة أو تدريب، بالتزامن مع وجود واقع غدا فيه التعليم الالكتروني حراً طليقاً؛ متجولا في بيوت الطلبة والمعلمين والأساتذة، ممّن فرضت عليهم الظروف الحبس المنزلي، وقد داهمنا التعليم الإلكتروني متناسياً شغف التواصل الاجتماعي في الغرف الصفية والمحاضرات، وفي ساحات المدارس والجامعات.

التعليم الإلكتروني والعدالة !!

ومع كل ما تبذله المؤسسات التعليمية من جهود، ومع ما توفره من دعم لإنجاح عملية التعليم والتعلم، إلا أن هذه العملية تعاني من عدم العدالة في كثير من الجوانب، ليلامس ذلك انعكاساتها المستقبلية.

إزاء هذا الواقع الذي ظنّ كثيرون أنه عابر، ومع استحكام محطاتّه زمنيا وتربويا، فإن ثمة انقسام بين التربويين والأكاديميين والأهالي -ما بين مؤيد ومعارض- حيال نمطية التعليم الجديدة، فمنهم من يؤيده بحكم أنه المتاح في هذه الظروف، ومنهم من ضجر من هكذا نمط تسيدّت فيه التكنولوجيا المشهد، فقد أوشك مئات الطلبة على التخرج بعد انقطاع عن معلميهم وأقرانهم، وعديد المشاهد تبدلّت، فالشوارع لم تعد تعج بالسيارات ساعات الصبيحة، ولم تعد رتابة الحياة سيدة المشهد، وهذا حال العديد من دول العالم لا فلسطين فقط.

في خضم ذلك؛ هناك ما يشغل بال التربويين، ولعل أكثر ما يقلقهم هو عدالة التعليم؛ من حيث توافر فرص متساوية لجميع الطلبة بغض النظر عن أماكن سكنهم، أو أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية؛ إضافة إلى قدراتهم الجسمية أو الذهنية، فلا يتوفر لكل الطلبة- والذين هم محور العملية التعليمية- المستوى ذاته من البنى التحتية، أو الحياة الاجتماعية والاقتصادية، أو القدرات الجسمية والذهنية، فكل العدالة التي كانت تتحقق ضمنياً في الغرف الصفية، أصبحت- في التعليم الإلكتروني وعن بعد- محل شكٍ، ومثيرة للمخاوف! ويعزز ذلك ما أشارت إليه عديد الدراسات الحديثة التي أجريت خلال جائحة كورونا من أن الطلبة من فئات ذوي الإعاقة وصعوبات التعلم أصبحوا الأكثر تضرراً؛ نظراً لحاجتهم للمساعدة الحقيقية في الغرف الصفية ومن خلال التواصل المباشر مع مدرسيهم المؤهلين في ظل الظروف العادية، وهذا ما يفتقره نمط التعليم الالكتروني وعن بعد، بل إن معاناتهم زادت؛ بحكم العزلة، وعدم المقدرة على التواصل الجيد مع معلميهم وأساتذتهم، إضافة إلى حاجتهم الخاصة لأجهزة ذكية تتواءم واحتياجاتهم، وكي لا نزيد من توترهم ومشاعرهم السلبية تجاه الحياة فهم بحاجة للانتباه، وإلى الدعم وتوفير فرص تعليم مساند حقيقية.

الأمر لا يتوقف والحال كذلك عند من هم من فئات ذوي الإعاقة وصعوبات التعلم، بل يتخطاهم ليصل لمراعاة الفروق الفردية بين الطلبة من حيث مستويات التحصيل لديهم، وتوافر الشبكة العنكبوتية، والتفاوت في مساحات المنازل ووفرة الأجهزة الألكترونية بما يخدم الأبناء والآباء جميعاً وفي الوقت ذاته.

تتبقى لدينا أسئلة مشروعة وهامة لصنّاع القرار وذوي الاختصاص، وهي: هل هناك ضمانٌ حقيقي بأن أبناءنا-بمختلف فئاتهم- يتلقون تعليما وتعلما الكترونيا فعالا؟ وعلى اختلاف قدراتهم الذهنية، ومكان سكنهم، وحالتهم الاقتصادية والاجتماعية ؟؟ وهل يساهم التعليم الالكتروني وعن بعد في تكوين الشخصية التي نريد للمتعلم؟ وهل يساهم التحول للتعليم الإلكتروني وعن بعد في تغيير المنحنى الوبائي في فلسطين ؟؟

أسئلة مشروعة؛ لا بد من الإجابة عنها لتحقيق العدالة، وللانتصار للعملية التعليمية بمكوناتها كافة، وهي بحاجة للإجابة لا بالنفي أو بالتأكيد، بل وبالتحليل وتوفير بيانات ومؤشرات ترفد رسم سياسات مستقبلية مبنية على دراسات بحثية وتقييم؛ مع حرصنا الشديد على صحة أبنائنا الطلبة من الفئات جميعها، وفي كل المراحل كافة كأولوية على التعليم.

العدالة وتوفيرها؛ تتجاوز بكثير كونها مجرّد شعار نرفعه، فهي تتطلب أولا منهجيات وتدخلات جديدة بالتوازي مع تعظيم بعض التدخلات التي تمّت، فتحقيق العدالة غاية نبيلة، لكنها دون توفير الأدوات والبدائل ستظل مجرّد تنظير!!