• 08 Oct 22
  • smartwatchesss

الصمت ليس مجرد أوقات ضائعة مثلما يعتقد كثيرون.. فما فائدته؟

في ظل صخب الحياة المعاصرة وضجيج المدن والإدمان على أصوات الهواتف الذكية والأجهزة الحديثة؛ يشدّد الخبراء والباحثون على أهمية لحظات الهدوء والصمت لتجديد النشاط والحفاظ على الصحة النفسية والجسدية.

في تقرير -نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro) الفرنسية- تقول الكاتبة سيغولين باربي إن إجراءات الإغلاق بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد مكّنتنا من الاستمتاع بأجواء أكثر هدوءا، حيث انخفضت مستويات الضوضاء بنسبة 90% في بعض المدن الكبيرة، لكنها جعلتنا أكثر حساسية تجاه الضجيج.

إزعاج الضجيج

في فرنسا مثلا، أثبت مسح أجراه مركز معلومات الضوضاء أن 57% من الفرنسيين أصبحوا أكثر حساسية تجاه الضجيج. ومن بين الأصوات الأكثر إزعاجا صُنّفت حركة المرور في المركز الأول بنسبة 49%، ثم ضوضاء الأحياء بـ36%، وأخيرا ضجيج مواقع البناء بـ8%.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة البيئة الأوروبية في سبتمبر/أيلول 2020، فإن الضجيج يتسبب في الوفاة المبكرة لـ12 ألف شخص سنويا بسبب التعرض طويل الأمد للضوضاء، كما يؤدي إلى 48 ألف إصابة جديدة بأمراض القلب الإقفارية (نوبة نقص التروية العابرة وهي اضطراب في وظيفة الدماغ يستمر عادة لأقل من ساعة) كل عام في أوروبا.

هرمون التوتر

وأظهرت دراسة -نُشرت في مجلة "ذا لانسيت" (The Lancet) عام 2005 وشملت ألفي طفل في 90 مدرسة قريبة من 3 مطارات دولية (لندن ومدريد وأمستردام)- أن هناك صلة وثيقة بين التعرض للضوضاء وانخفاض الأداء الأكاديمي من حيث القدرة على التركيز واستحضار المعلومات.

الصمت ليس مجرد أوقات ضائعة مثلما يعتقد كثيرون.. فما فائدته؟

ويقول ميشيل لو فان كوين -مدير أبحاث علم الأعصاب في المعهد الوطني الفرنسي للصحة والبحوث الطبية ومؤلف كتاب "الدماغ والصمت"- إن "السمع حاسة نشطة دائما؛ فالأذن لا تنام أبدا، وهي تتفاعل في الليل مع جميع أنواع الضوضاء، حتى الخافتة منها. وينشط جهازنا العصبي الودي ويقوم بإفراز الكورتيزول وهو هرمون التوتر وينشره في أدمغتنا وأجسامنا".

وبعد إصابته بشلل مفاجئ في الوجه عام 2017؛ أشرف لو فان كوين على دراسة علمية تسلط الضوء على مزايا الصمت الذي ساعده بشكل كبير على الشفاء من الشلل.

فوائد الصمت

ويوضح لو فان كوين قائلا في هذا السياق "عندما أُجبرت على الصمت أصبحت أدرك فوائده. إنه يسمح للدماغ بتجديد نفسه، واستعادة وظائفه المعرفية"، مشيرا إلى عدة أنواع من الصمت المفيد للجسم والدماغ.

وهناك من وجهة نظره "الصمت الصوتي" الذي يحررنا مؤقتًا من التلوث السمعي، و"الصمت الجسدي" وهو البقاء ساكنًا دون أي حركة، وكذلك "الصمت الاختياري"، وهو التوقف عن استخدام الشاشات التي ترهق أذهاننا وتشتت تفكيرنا.

حمّام الأشجار

وتطرق لو فان كوين إلى ما يُعرف بـ"حمام الأشجار" (شينرين يوكو)، وهو عادة يابانية قديمة تعتمد إعادة شحن الطاقة النفسية والجسدية في الطبيعة، قائلا "لقد أظهر العلماء أن أصوات الطبيعة لها تأثيرات مريحة تساعد على تجديد النشاط. يدخل الدماغ في حالة من الصفاء عندما يعيش أحاسيس تشبه تلك التي عرفها أسلافنا الأوائل في البيئة الحيوية الأولى".

ويشير باحثون من جامعة ستانفورد إلى أن المشي في الطبيعة يقلل من مستوى الاكتئاب بنسبة تصل إلى 71%، ويزيد الثقة بالنفس بنسبة 90%.

لنتذوق الصمت

وتقول إميلي ديفيان -وهي مختصة نفسية ومؤلفة كتاب "لنتذوق الصمت"- إنّ الصمت ضروري مثل التنفس، وهو "يبعدنا عن الاضطرابات اليومية" على نحو يمكننا من التعرف إلى أنفسنا بشكل أفضل، والتصرف بمزيد من اليقظة.

وتؤكد ديفيان أن "الصمت يساعد على التأمل الذاتي والمغامرة بالسير في طريق داخلي حتى نكتشف من نحن، وما نريده حقا".

وفي دراسة -نُشرت بمجلة "ساينس" (science) عام 2014- طلب عالم النفس تيموثي ويلسون من عدد من المتطوعين الجلوس في غرفة فارغة دون هواتف أو أي وسيلة إلهاء أخرى، وزودهم بآلة تسمح لهم بصعق أنفسهم بموجات كهربائية خفيفة. كانت النتيجة أنّ 67% من الرجال و25% من النساء استخدموا الآلة فقط لتمضية الوقت في غياب الوسائل الأخرى، وهو ما يُظهر حجم الإدمان على أصوات التلفزيون والراديو والأجهزة الحديثة في عالمنا اليوم.

وينصح ميشيل لو فان كوين بأن نترك لأنفسنا مساحة كافية للتمتع بلحظات من الهدوء والصفاء الذهني والغوص في الخيال، لأن الصمت ليس "مجرد أوقات ضائعة" مثلما يعتقد كثيرون، حيث يسمح لنا بتطوير الحس الإبداعي وإنعاش الذاكرة، وهو طريقة فعالة لإعادة التواصل مع الذات ومع الآخرين.