من الراديو إلى الفضاء.. رحلة صناعة أول هاتف محمول في العالم
مرت صناعة الهاتف المحمول بمحطات فارقة واستغرق الأمر زمنا طويلا للحصول على هذاالاختراع.. وصل الإنسان إلى القمر قبل اختراع المحمول!
في عام 1928 اشترى الأخوان باول وجوزيف جالفين شركة البطاريات المفلسة "ستيوارت" مقابل 750 دولارا.. آنذاك لم يتصور أحد أن تلك الشركة الصغيرة المفلسة ستتحول إلى العملاق "موتورولا"، وستكون صاحبة الفضل في صناعة أول هاتف محمول في العالم بعد 50 عاما من تلك اللحظة.
تحت اسم "جالفين للتصنيع" أطلقت الشركة أعمالها اعتمادا على رأس مال قيمته 565 دولارا و5 موظفين فقط، وكان أول منتج لها "بديل البطارية"، وفقا لموقع "موتورولا".
كان "الراديو" هو الشغل الشاغل لأصحاب الشركة آنذاك، رأوا فيه اختراعا يمكن تطويره إلى عدة أشكال ما يمكنهم من الاستفادة من سوق عظيمة غير مشبعة.
ابتكار "بديل البطارية" كان جهازا مكن أجهزة الراديو التي تعمل بالبطارية من أن تعمل بالطاقة الكهربائية في المنزل، ثم لاحقا ركزت الشركة على الراديو نفسه.
الكساد العظيم وراديو السيارة
بعد عام من بدء أعمالها، وبينما تتطلع "جالفين" للنمو، ضرب الكساد الكبير عام 1929 أسواق المال الأمريكية وتأثرت البلاد بأسرها بينما اقتربت "جالفين" من الإفلاس حيث تراجعت مبيعات الراديو.
لكن المؤسس "باول" تمكن من تفادي هذه الأمة برشاقة عبر تصميم "راديو سيارة" غير مكلف يمكن تركيبه في معظم السيارات.
ومن خلال العمل الشاق تمكن جالفين من عرض نموذج عمل للراديو في مؤتمر رابطة مصنعي الراديو في يونيو 1930، ولاحقا جذب طلبات هائلة كانت كفيلة ببقاء الشركة على قدميها.
الحرب العالمية الثانية وخبرة اللاسلكي
في العام 1939 ومع بداية الحرب العالمية الثانية، كانت "جالفين" في أوج مرحلة جديدة للازدهار، لكنها أوقفت مشاريعها الترفيهية للتركيز على المشاريع المتعلقة بالحرب بعد أن انخرطت فيها الولايات المتحدة عام 1941.
ومن ضمن المنتجات التي ابتكرتها "جالفين" للحرب ما سمي "راديو ساحة المعركة".
قبل دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، طور دونالد ميتشل المهندس لدى "جالفين" نموذجًا أوليًا لراديو محمول ثنائي الاتجاه (يقوم بإرسال واستقبال الإشارة).
ورغم عدم اهتمام الجيش بهذا الابتكار نظرا لمداه القصير (1.6 كم)، استمر ميتشل في تحسين التصميم، فطور راديو AM ثنائي الاتجاه يمكن لشخص واحد حمله وتشغيله بيد واحدة، وكان يعمل ببطارية وزنها 2.2 كجم.
وفي عام 1940، قام مهندسو شركة "جالفين" بتطوير راديو محمول ثنائي الاتجاه من نوع Handie-Talkie SCR536، الذي أصبح لاحقا أيقونة الحرب العالمية الثانية.
رفاهية ما بعد الحرب.. حقبة التلفزيون والابتكارات
بعد الحرب، غيرت "جالفين" اسمها عام 1947 إلى "موتورولا" وانطلقت في مرحلة جديدة اعتمدت فيها على تصنيع التلفزيونات التي كان العالم قد عرفها لأول مرة عام 1939.
في عام 1947 وحده، صنعت الشركة أكثر من 100 ألف جهاز تلفزيون وانضمت إلى مجموعة رائدة من مصنعي التلفزيون العالميين.
وفي عقد الخمسينات كان الاقتصاد الأمريكي قد تعافى سريعا من الحرب العالمية الثانية، وكان الأمريكيون أكثر نهما لشراء معدات الترفيه المنزلي.
انتعشت مبيعات التلفزيون وتزايد عدد المحطات والشبكات التلفزيونية بسرعة، وأثناء ذلك طورت موتورولا عدة ابتكارات بينها أول جهاز تسجيلات صوتية مجسمة "الاستريو" الذي أصبح صرعة هذا العصر في عالم الصوتيات متجاوزا الفونوجراف وأجهزة الهاي الفاي.
وكان هذا الابتكار مشجعا للشركة من أجل الخوض في ابتكارات كثيرة نجحت في بعضها وفشلت في الأخرى، وينقل عن باول جالفن مقولته آنذاك: "لا تخشى الأخطاء .. فالحكمة غالبًا ما تولد من هذه الأخطاء".
ناسا وعصر اتصالات الفضاء
في العام 1958 تم إنشاء الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا)، وأصبحت موتورولا واحدة من أوائل مزودي الاتصالات الفضائية.
من بين المساهمات المبكرة كانت أجهزة الإرسال والاستقبال التي تم تزويد سفينة الفضاء الأمريكية "مارينر 2" بها، حيث تم إطلاقها عام 1962 لاستكشاف كوكب الزهرة.
وكانت معدات موتورولا حاضرة أيضا عام 1968 خلال رحلات أبولو المأهولة التي أدت إلى أول هبوط على سطح القمر في يوليو 1969.
أول هاتف محمولفي العالم
كان أول هاتف محمول في العالم نتاجا لتراكم خبرات عديدة اكتسبتها موتورولا على مدار سنوات عملها.
وبعد سلسلة من المحاولات بين الشركات الأمريكية لابتكار حلول تواجه الأزمات الفنية للاتصالات، تمكنت موتورولا عام 1973 من إنتاج أول هاتف محمول يعتمد على تقنية "خلية" تحت اسم DynaTAC.
وكان مخترع هذا الهاتف هو المهندس مارتن كوبر الذي انضم إلى موتورولا عام 1954.
وقد كان الهاتف الخلوي المحمول Motorola DynaTAC 8000X الأول من هذه السلسلة من حيث الطرح التجاري عام 1983 بعد حصوله على موافقة من لجنة الاتصالات الفدرالية الأمريكية عام 1983.
والهاتف الذي نال شهرة واسعة وانتشر عالميا كان باستطاعته البقاء لـ 30 دقيقة مكالمات، و8 ساعات في وضع الانتظار، وكان يخزن 30 رقما ووزنه نحو كيلوجرام، وسعره 3995 دولارا عند الطرح عام 1983.