لماذا تتصدر النساء الصفوف في مواجهة كوارث المناخ بأفريقيا؟
يرحل الرجال إلى أراضٍ بعيدة، لم تجف أنهارها بعد، لم تتآكل شطآنها ولم ينفد خيرها، وتبقى النساء في منازل لا تزال بالكاد قائمة، تتجمع فوق أكتافهن أثقال عدة، من تربية الصغار، إلى جلب الطعام، إلى رحلات طويلة غادرة لإحضار المياه والحطب، وحتى الدخول في مواجهات عنيفة فرضتها عليهن حالة الطوارئ المناخية في بلدانهن.
هذا هو حال كثير من النساء والفتيات الإفريقيات في المجتمعات الريفية المهمشة شرقًا وغربًا، هن لم يخترن هذا المصير، بل دُفعن إليه دفعًا في ظل غياب العدالة المناخية، واضطرارهن إلى خوض معارك يومية من أجل البقاء.
انطلاقًا من إحدى جلسات قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26)، التي انعقدت بتاريخ 9 نوفمبر الجاري، لإلقاء الضوء على الأدوار التي تؤديها النساء في قارة إفريقيا في مواجهة تغيُّر المناخ، حاورت "للعلم" ثلاث قائدات شابات يتصدرن صفوف العمل المناخي في بلدانهن، وهن: فورجت شريكة من زيمبابوي، وروث دوزكوتو من غانا، وكارول مونجو من كينيا، الهدف كان التعرف أكثر على تجاربهن المُلهمة، وكيفية تأثر النساء والفتيات بشكل خاص بالكوارث المرتبطة بالمناخ في بلدانهن، وخلصنا إلى أنه لا فرصة لنجاة إفريقيا ونسوتها من دون الاستثمار في تعليم الفتيات.
التعليم سلاح المرأة في مواجهة تغيُّر المناخ
ما الرسالة الأهم التي حرصتِ على إيصالها خلال كلمتك في قمة الأمم المتحدة للمناخ (كوب 26)؟
فورجت شريكة: حرصت أنا وأخواتي من المشاركات في الجلسة، التي نظمتها شبكةCAMFED التي أنتمي إليها -وهي شبكة من النساء تستهدف تمكين الفتيات في زيمبابوي وغانا وزامبيا وتنزانيا وملاوي من الالتحاق بالتعليم- على دعوة قادة العالم المجتمعين بالقمة إلى إعطاء الأولوية للاستثمار في تعليم الفتيات؛ لأنه السلاح المناسب لمواجهة تغيُّر المناخ، والسبيل إلى التكيف وبناء المرونة والابتكار في التكنولوجيا الهادفة إلى خفض الانبعاثات.
وتجاربنا المحلية أثبتت أن تعليم الفتيات يساعد الدول على تحسين أدائها لمواجهة الصدمات المناخية وما بعدها، ويمكّن النساء من أن يصبحن قائدات للتغيير المستدام؛ فعندما تحقق الفتاة مكاسب في التعليم، فإنها تكتسب أرضيةً في مكافحة تغيُّر المناخ والفقر وعدم المساواة بين الجنسين، وتجربتي الشخصية شاهدٌ على هذا الأثر الإيجابي.
لديكِ تجربة ملهمة بالفعل .. هل توضحين أكثر كيف ساهم حصولك على منحة تعليم في انضمامك إلى العمل والدعوة إلى العدالة المناخية؟
فورجت: نشأت في كنف جدتي، كانت فوق الثمانين ولديها موارد محدودة نعيش بها على حد الكفاف، مثلها مثل معظم المزارعات في المجتمعات الريفية المهمشة في أفريقيا، لذلك لم تستطع تحمُّل تكاليف إرسالي إلى المدرسة الثانوية، وكنت على وشك التسرُّب من التعليم حين تدخلت شبكة كامفيد وقدمت لي منحة تعليم في مدرسة داخلية، انضممت بعدها إلى الشبكة وحصلت على منحة من مؤسسة أخرى للحصول على درجة علمية في العلوم الزراعية من جامعة إيرث في كوستاريكا، وأكملت طريقي وحصلت على ماجستير في ريادة الأعمال والابتكار من جامعة إدنبرة في إسكتلندا.
التعليم مكنني من اتخاذ الإجراءات وقيادة العمل المناخي والتغيير في مجتمعي، والمساهمة في اتخاذ قرارات صنع السياسات في المناقشات رفيعة المستوى التي تدعو إلى الاستثمار في التعليم.
استخدمت تعليمي كذلك لبناء المرونة والمساهمة في التكيف مع المناخ في مجتمعي من خلال مشاركتي في إعداد دليل الزراعة، الذي من خلاله تم تدريب أكثر من 35 ألف مزارع حتى الآن، يقومون بتدريب عشرات المزارعين الآخرين، ما يؤدي إلى خلق تأثير مضاعف في الزراعة الذكية مناخيًّا.
كما أعمل على الحد من نفايات الطعام من خلالChashi Foods ، وهي مؤسسة اجتماعية وبيئية شاركتُ في تأسيسها منذ ثلاث سنوات بهدف تقليل هدر الطعام من خلال ابتكارات المعالجة الزراعية، نزيد العمر الافتراضي للخضراوات والفواكه حتى 15 شهرًا من خلال عملية تجفيف مبتكرة للموز الطبيعي والتفاح والأناناس والمانجو والخضراوات، تساعد منتجاتنا في تعزيز الأمن الغذائي؛ فقد تمكنَّا من توفير 25 طنًّا من المنتجات عوضًا عن ذهابها إلى مكب النفايات. وقمنا بتدريب أكثر من 250 مزارعًا على عمليات تجفيف الأطعمة الصحية.
كيف تتأثر الفتيات الأقل حظًّا في الحصول على فرص التعليم بالتهديدات المناخية؟
فورجت: تؤدي موجات الحر والجفاف والفيضانات إلى زيادة اتساع فجوة عدم المساواة بين الجنسين، وتقلل فرص الفتيات في استكمال تعليمهن، إما بسبب تدمير الأسر وإعاقة قدرتها على كسب الدخل اللائق ومن ثم تعليم الفتيات أو تدمير المدارس في أثناء الفيضانات أو الأعاصير، وتُجبر النساء على ترك مسؤولية الأعمال المنزلية والأطفال للفتيات الأصغر سنًّا من أجل الخروج لجلب الماء أو الحطب، وذلك بعد رحيل الرجال بعيدًا عن القرى المحلية للبحث عن موارد رزق بديلة.
منعت الأحداث المتعلقة بالمناخ في 2021 وحدها ما لا يقل عن 4 ملايين فتاة في البلدان النامية من إكمال تعليمهن، ومن المتوقع أن تتسبب الظواهر المناخية في منع ما لا يقل عن 12.5 مليون فتاة من إكمال تعليمهن بحلول عام 2025، وفق تقرير صادر عن صندوق ملاله لحق الفتيات في التعليم.
وفي حالة الفيضانات، التي تترك ملايين الأشخاص بلا مأوى، يتم تزويج العديد من الفتيات في سن مبكرة لتخفيف العبء على العائلات، ما يعرض مستقبلهن للخطر؛ إذ يقعن في شرك الحلقة المفرغة للفقر.
على عكس الفتيات المتعلمات اللاتي بإمكانهن قيادة العمل المناخي، مما يقلل من عواقب التغيرات المناخية، ويزيد من قدرة أسرهن على كسب الدخل اللازم لتوفير الأمن الغذائي، وتحمُّل تكاليف الصحة، ويساهمن كثيرًا في الابتكارات الخضراء لتعزيز المرونة والتكيُّف مع المناخ.
يبدوالأمر كما تصورينه كمعركة من أجل البقاء .. فما أبرز الأدوار التي أدتها النساء والفتيات في مجتمعك في هذه المعركة؟
كان مجتمعي (زيمبابوي) يواجه مجاعةً شديدةً بسبب الجفاف، وفي العام قبل الماضي ضربه إعصار إيداي الاستوائي الذي أودى بحياة المئات، فُقد الكثيرون، وأصبح آلاف الأشخاص بلا مأوى، ودُمرت البنية التحتية، بما في ذلك المدارس والعيادات.
ردًّا على ذلك، توصلت النساء في مجتمعي إلى العديد من حلول التكيف، على سبيل المثال، بدأنا حملات لرفع مستوى الوعي البيئي حول الكوارث المناخية مثل الفيضانات لزيادة التنبيه بالمخاطر، وقدم آخرون تبرعات بالطعام والملابس، بالإضافة إلى ذلك، قامت شبكة كامفيد (التي تقدم الدعم المالي والاجتماعي للفتيات من المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية وما بعدها) بتوسيع نطاق برنامج دليل الزراعة الذكية مناخيًّا؛ لمساعدة المزارعين الريفيين على أن يصبحوا أكثر مرونة، بما في ذلك إدخال الحبوب المقاوِمة للجفاف، وتقنيات ري دقيقة منخفضة التكلفة، مثل استخدام الزجاجات البلاستيكية المعاد تدويرها في الري بالتنقيط، والمواقد الخشبية عالية الكفاءة في استهلاك الوقود، ساهم كل هذا كثيرًا في بناء القدرة على الصمود وتقديم الإغاثة في مواجهة أزمة تغيُّر المناخ هذه.
حين يرحل الرجل تتولى المرأة كل الأدوار
متى قررتِ أن يكون لك صوتكِ الخاص في العمل والدعوة إلى العدالة المناخية؟
روث دوزكوتو: بدأ كل شيء من قريتي (شاما بيتش) في المنطقة الغربية من غانا، اعتادت أن تكون هادئة، ولكن الأسوأ حدث عندما ارتفع مستوى سطح البحر بسبب تغيُّر المناخ وتآكل أكثر من نصف المدينة، على الرغم من أنني لم أتأثر، كان على الجيران إحضار أغراضهم إلى منزلنا وحتى النوم هناك، لم يقتصر الأمر على نزوح الكثير من الناس، ولكن بما أن الصيد كان المصدر الرئيسي للدخل، لم يعد يمكن للصيادين أيضًا الذهاب للصيد، وهو ما جعل سبل العيش صعبةً للغاية في المدينة، شعرت بالحزن الشديد وقررت أن أعرف ماذا تسبَّب في ارتفاع مستوى سطح البحر، وأدركت أنه أحد الآثار العديدة لتغير المناخ، وقتها قررت أن يكون لي صوت.
ما التأثيرات التي خلَّفها تآكل المدينة على أوضاع النساء والفتيات في قريتك؟
روث: تعتمد الفتيات في مجتمعي في الغالب على صيد الأسماك لتلبية احتياجاتهن المدرسية، ومنذ ذلك الحين أصبح كثيرٌ منهن يعتمد على الذكور للحصول على الطعام وحتى المأوى، مما يعرضهن للاستغلال الجنسي في مقابل الغذاء والمأوى أو يؤدي بهن إلى الحمل، وكل هذا بطبيعة الحال يؤثر بشكل سلبي على تعليمهن وعلى حياتهن بأكملها.
كما أنه في أغلب الأحيان، بعد تآكل الشواطئ يفر الرجال إلى مكان آخر بحثًا عن مصادر الرزق، أما النساء فهن ملزمات بالبقاء في الحالة نفسها بسبب أطفالهن، معظم هؤلاء الرجال لا يعود، تاركين النساء والأطفال يعانون من عواقب تلك التأثيرات المناخية، وهو ما يجعل النساء والأطفال هم الأكثر تضررًا من تغير المناخ والأكثر فاعليةً كذلك في خطوط المواجهة، حيث تتولى النساء القيادة ويدعم بعضهن بعضًا، فعلى سبيل المثال، عقب هذه الأزمة شكلت النساء جمعية تجار الأسماك، حيث تساعد المرأة القوية التي تمتلك شباك صيد الآخريات، كما تقوم النساء بشراء الأسماك بالدين وبيعها في الأسواق لتحقيق بعض الأرباح.
ما أبرز الممارسات والسياسات المحلية التي أدت إلى تفاقم الأوضاع؟
روث: مشروعات الوقود الأحفوري بطبيعة الحال وإزالة الغابات من أجل الحطب هي السبب الرئيسي لتغير المناخ في معظم أفريقيا، وما نحتاج إليه هو سياسات مستنيرة للتخلص التدريجي من مشروعات الوقود الأحفوري والتوجه إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون، علاوة على مبادرات بهدف التكيف مع التهديدات المناخية، وهذا ما يجب على القادة في قمة المناخ أن يفعلوه في أسرع وقت، لقد سئمنا من الخطب!
كيف تساعدين مجتمعك على التعايش في ظل هذه الظروف؟
روث: درست الصحة العامة والصحة البيئية وبالأخص التغيرات المناخية في جامعة الصحة والعلوم في غانا، وانطلقت بعدها في العمل على الأرض، أسست منظمة "الحوار الأخضر" لتوصيل رسالة تغير المناخ إلى كل فرد في غانا من خلال المحادثات الإذاعية والتلفزيونية عبر برنامجي Walk / Ride4Climate، بالإضافة إلى التعريف بالتقدم الذي تحرزه غانا فيما يتعلق بالاقتصاد المستدام عبر صنع مقاطع فيديو وثائقية للمنظمات الخضراء الناشطة في غانا، وتعمل منظمتي كذلك على إصلاح النظام الزراعي باستخدام الطاقة الشمسية لتجفيف حبوب الكاكاو باعتباره المحصول الرئيسي لغانا؛ لتجنُّب قطع الأشجار من أجل استخدامها كحطب، ولدينا مزرعة كاكاو توضيحية تُستخدم كمقياس توضيحي لنظام التجفيف الشمسي لحبوب الكاكاو، ويستغرق الكاكاو في المعتاد حوالي 5 سنوات لينمو، أما في المزرعة التوضيحية فيمكننا اختصار هذه الفترة إلى سنة وبضعة أشهر.
كما عملت متطوعةً في منظمة تدعى Mckingtorch Africa، وهي واحدة من الشركات الرائدة في إعادة التدوير في غانا، تقوم بتحويل النفايات إلى كراسي وحقائب ظهر.
مشروعات التكيُّف وال في القرار
برأيك، كيف يمكن تخفيف معاناة النساء من الكوارث المناخية داخل إفريقيا وخارجها؟
كارول مونجو: عبر دعم المجتمعات المهمشة التي تعاني فيها المرأة بشكل كبير من التهديدات المناخية وإقامة مشروعات للتكيف تخفف من معاناتهن اليومية، على سبيل المثال، تسير النساء والفتيات في المناطق الريفية في إفريقيا أكثر من ساعتين يوميًّا لجمع الحطب من أجل الطهي في مواقد الحطب التقليدية، لا يُسهم هذا في إزالة الغابات فحسب، بل يعرِّض النساء والفتيات والأطفال أيضًا لتلوث الهواء الداخلي والمخاطر المرتبطة به، ولقد عملت في العديد من المشروعات عبر أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى مع المؤسسات التي عملت فيها من أجل تعليم النساء تقنيات طهي نظيفة وتوفير الطاقة المستدامة، لقد دربناهن على بناء هذه المواقد عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة، وأسهَم ذلك بشكلٍ ما في تحسين حياتهن، وما تحتاج إليه النساء هو مزيد من هذه المشروعات التي تناسب احتياجاتهن.
كما تحتاج الفتيات إلى التعليم الذي يمكّنهن من اختيار حياة أفضل ومساعدة مجتمعهن، وهذا ما حاولت أن أفعله، درست سنوات طويلة حتى حصلت على ماجستير في علوم إدارة البيئة والطاقة من جامعة توينتي في هولندا، وأنا حاليًّا زميلة باحثة في برنامج الطاقة وتغير المناخ بمعهد ستوكهولم للبيئة، وهو ما ساعدني على العمل لتعزيز الطاقة المستدامة للخدمات المنزلية في كلٍّ من كينيا وتنزانيا.
وهناك ضرورة أيضًا لإشراك النساء بشكل أكبر في عملية اتخاذ القرار وصنع السياسات؛ فهن الفئة الأكثر تضررًا من الكوارث المناخية، ومن ثم لهن الأولوية في صنع القرارات لتحسين حياتهن.
من المرجح خلال الظواهر المناخية القصوى أن تموت النساء أكثر من الرجال، كما تتعرض الحوامل والمرضعات لانعدام الأمن الغذائي الناتج عن تغير المناخ، وقد تتسبب مياه الشرب الأكثر ملوحةً بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر في ولادات مبكرة ووفيات أمهات وأطفال حديثي الولادة، ناهيك بتأثير الضغط الاقتصادي الناجم عن الكوارث المناخية على زواج الأطفال والزواج بالإكراه كإستراتيجية للتكيف، وذلك وفق بيان سابق لمفوضة الأمم المتحدة ميشيل باشيليت.
ما الدور الذي يمكن أن تؤديه الحركات الشعبية التي تقودها نساء في التصدي للظواهر المناخية؟
كارول: لا يمكن أن ينجح أي مشروع كبير مهما خصصت له من مصادر تمويل دون وجود حركات شعبية فاعلة تعمل على الأرض لإنجاحه، والحركات الشعبية التي تقودها امرأة أثبتت أنها يمكنها أن تُحدث فارقًا كبيرًا، ولا تزال حركة الحزام الأخضر التي بدأتها البروفيسور وانجاري ماثاي، الحائزة لجائزة نوبل، واحدًا من أمثلة التغيير مدى الحياة، وهي واحدة من التجارب الناجحة المعتمدة على الحركات الشعبية لإحداث تغيير عالمي، والملهمة للكثيرين حول العالم لزراعة الأشجار، أتذكر على الدوام مقولتها: "إن الأشياء الصغيرة التي يفعلها المواطنون هي التي تُحدث فرقًا، الشيء الصغير الخاص بي هو زراعة الأشجار"، وأستمد منها الحماس والطاقة للعمل؛ لأن جيل المستقبل يستحق أفضل من ذلك.
هل من رسالة أخيرة تودين توجيهها إلى قادة العالم لمساعدة نساء أفريقيا والعالم؟
كاول: كفانا قرارات وإجراءات متأخرة، دعونا نشجع جيل المستقبل من خلال اتخاذ قرارات جريئة، وبدء العمل الآن وفورًا.