مراهقون “مسجونون” داخل ألعاب الفيديو
A Decrease font size.A Reset font size.A Increase font size.
ديمة محبوبة
عمان– لم يعتقد سمير عبدالله الأب لثلاثة أولاد، أن ابنه رعد في عمر المراهقة والذي يقضي ساعات طويلة على ألعاب الفيديو، سيدخل مرحلة “الإدمان”، حيث ظهر ذلك واضحا عبر عزلته والتصاقه الدائم بالأجهزة الإلكترونية والجلوس في غرفته وحيدا. يأتي ذلك في الوقت الذي قرأ فيه خبرا حديثا يفيد بأن منظمة الصحة العالمية صنفت الإدمان على ألعاب الكمبيوتر “اضطراب سلوك إدماني”، فاستوقفته تلك العبارة وشعر بخوف شديد عليه.
أبناء “يدمنون” الألعاب الإلكترونية بالعطلة الصيفية.. وآباء يقفون حائرين
ما حصل مع ابنه، أشعره بالارتباك وهو يرى ابنه يعيش داخل عالمه الخاص، يرفضالعائلة الواجبات الاجتماعية، وحتى الخروج مع أصدقائه، كل ذلك لكي لا يضطر أن يترك ألعاب الفيديو، وإن خرج يبدأ بـ “الزن” أنه يريد العودة للمنزل، فلا شيء يلفت اهتمامه سوى إكمال مراحل لعبته، والبدء بغيرها.
قرر الأب أن يقرأ هذا الخبر أمام أبنائه، فضلا عن إجراء بحث بسيط عن خطورة الأمراض التي تحدث من جراء هذا الإدمان ووصل معهم بعد نقاش طويل على تقليص المدة في اللعب لأكثر من النصف، وأن عليهمالعائلة بنشاطات أخرى بعد الانتهاء من الواجبات الدراسية ولعب الكرة وبعض الألعاب التقليدية والشعبية.
رعد، الابن الأكبر يقول “عندما سمعت ما قاله والدي عن أضرار وخطورة هذه الألعاب كنت أعتقد أنه من السهل تقليص ساعات اللعب.. لكن زادت عصبيتي وتوتري واحتياجي لأن أجلس وألعب وأجتاز كافة المراحل التي باتت متراكمة عليّ”، خصوصا أن أصدقاءه يبقون على تواصل معه عبر جروب الواتساب ويفتقدون تواجده، ويتباهون أمامه بما وصلوا إليه.
يكمل “مع هذا الشعور تأكدت بأنني أصبحت مدمنا على هذه اللعبة رغم اعتقادي أنه أمر ترفيهي ومن باب تغيير الأجواء، لكن ألعاب الفيديو تحكمت بي بشكل كامل”، وهو الأمر الذي حاول أن يحله تدريجيا بالتعاون مع باقي أفراد العائلة، وكان صعبا جدا في البداية.
وصنفت منظمة الصحة العالمية بداية العام الحالي، الإدمان على ألعاب الكمبيوتر كمرض معترف به، وأضافته إلى التصنيف الدولي الحادي عشر للأمراض (ICD-11)، الذي كانت المنظمة تقوم بتطويره لمدة 10 سنوات.
جاء ذلك في رسالة نشرتها المنظمة على موقعها على شبكة الإنترنت تبين تصنيفها لهذا المرض على أنه “اضطراب سلوك إدماني”. وكانت المنظمة ذاتها قد حددت قبل عدة سنوات الإدمان على ألعاب الفيديو كمرض منفصل، ولكنها لم تطرح نظامًا عامًا لتشخيصه وعلاجه.
ويلاحظ خبراء أن الحماس المفرط لألعاب الكمبيوتر مصحوب ليس فقط بالإدمان، ولكن أيضًا بعواقب سلبية على صحة الطفل، كضعف البصر وانحناء العمود الفقري والأرق، وبسبب الحماس المفرط لألعاب الكمبيوتر، تنخفض لدى بعض الأطفال مهارات التعلم، ويلاحظ التهيج والعدوانية.
وفي العام 2019، تم تسجيل أول حالة سريرية لدخول المراهقين إلى المستشفى بسبب إدمان ألعاب الفيديو، وفي السابق، تم بالفعل تسجيل حالات مماثلة، ولكن مع لاعبين بالغين.
الاختصاصي النفسي د.علي الغزو يبين أن هوس المراهقين بالألعاب الإلكترونية يؤثر على كافة الجوانب الاجتماعية والسلوكية والنفسية والعصبية، مبينا أهمية التوعية بأخطار هذا الاستخدام وإدمانه كمرض يتوجب العلاج.
عدم الالتفات لهذا الإدمان، سيجعل الجميع يدفع آثاره، وفق الغزو، من خلال مراجعة العيادات الطبية والنفسية، فالجلوس المستمر والتوتر الذي يصاحب هذه الألعاب لساعات طويلة يؤثر على الصحة الجسدية والنفسية والعصبية.
وينصح الغزو بأن على الشخص الذي يشعر بإدمانه على هذه الألعاب الإلكترونية اللجوء لعائلته ومحاولة البحث عن علاج سلوكي قبل الغرق به أكثر وأكثر، وأن يكون الأهالي أكثر حزما في استخدام الأبناء للهاتف وألعاب الفيديو على الأجهزة الإلكترونية، خصوصا وأن بعض الآباء يجدون في ذلك فرصة لإشغال الابن وقته وعدم التفرغ للمشاكل والخلافات مع إخوته، أو زيادة الطلبات على مدار اليوم، لأن لا شيء ينشغل به.
ويرى أن تربية الأسر لأبنائها مبنية على العاطفة الزائدة والخضوع لما يريده الطفل حتى وإن كان ضد مصالحه نفسيا وجسديا، لافتا إلى أن هذه الألعاب تظهر حجم التوتر الكبير من خلال المنافسة، حتى لغة الجسد لديه تختلف وعيونه وحركة أصابعه، وذلك يؤدي لأمراض كثيرة وعصبية مستمرة ما يعني الخسارة على كل الأصعدة.
اختصاصي علم الاجتماع د. محمد جريبيع يتفق مع الغزو بأهمية الوعي والمسؤولية التي تقع على عاتق الجميع من أهال ومعلمين ومؤسسات تعليمية ومجتمعية، فالأثر السلبي لهذا المرض والإدمان يؤثر على المجتمع والأسر بشكل كبير.
ويبين أن هذا الاجتياح يؤثر سلبا على الشباب والمراهقين، والأسرة بأكملها وعلى كافة العلاقات الاجتماعية والوجاهية والتي تتحول لعلاقات وهمية، فهذا التعلق الشديد والمرضي بهذه الألعاب يعلي من الفردية.
وينوه بأن إدمان ألعاب الفيديو يؤثر بشكل مباشر على الحياة الاجتماعية المبنية على دفء المشاعر والتواصل الحقيقي بين أفراد العائلة، مؤكدا أن هذا الاضطراب الإدماني على اللعب، يجعل العلاقات ناقصة تحت سقف واحد، فالعقول والقلوب وكافة الحواس في مكان محدد ومع أشخاص آخرين، ما يزيد من العزلة والغياب والانطواء داخل جدران المنزل.
ويضيف جريبيع أن ما يحدث مع الشباب والمراهقين يحتاج للوعي والتثقيف، ومعرفة الطرق التي تساهم بتقليل استخدام الأبناء لتلك الألعاب التي باتت تشكل مرضا قد يصعب علاجه مع الوقت.
لكن وحسب جريبيع، كل شيء قد يكون له حل، مبينا أن علاج إدمان هذه السلوكيات يكون عبر إعطاء البدائل، وإشغال العقل والفكر بما هو أكثر فائدة اجتماعيا ونفسيا وجسديا.
دراسة إسبانية أظهرت أيضا أن الأطفال الذين يمارسون ألعاب الفيديو لأكثر من ساعة يوميا يعانون من مشكلات سلوكية، فيما قد تتحسن القدرات الإدراكية للأطفال الذين تقتصر ممارستهم لتلك الألعاب على ساعة أو اثنتين أسبوعيا، بما في ذلك تعزيز الاستجابة للإشارات البصرية.
وذلك يتطلب وفق مختصين أن تكون هنالك رقابة أكبر من قبل الوالدين على الألعاب الإلكترونية، ونوعيتها وحيثيات تعلق الأبناء بها وتبعات كل ذلك، وأهمية توجيههم نحو ما يقدم الفائدة لأبنائهم وينمّي من قدراتهم بعيدا عن الألعاب المؤذية والمرهقة نفسيا واجتماعيا.